عــــقــــدٌ منـــفـــرط
( نـــــــص )
حين وصلتَ إليّ
عابرا كل منحدر وسهل
كان طريقكَ مكتظا بآلاف الوجوه
و لم يكن المكان مناسبا للبدء في لضم الحكاية
لم يكن عند واحة
ولا على بحيرة باريسية
كان نـُزلاً للبائسين
حيث يلقون بتراب نعلهم
قبل الخلود إلى أجسادهم المتهالكة
أما الزمان فقد اختلسته لك
من أفواه نهمة
لسرد خيالاتهم عما لم يحدث
وكيف لو أنه حدثَ ؟
لقد أخفتني حينها
قلتَ لي : أوجعني عبئي
فهل تحملين قليلا ؟
أو إذا شئتِ اقرئيني
كتابي مثقل بالحكايا
و أثقلها ...
عندما حجـَبـَتها طقوسُ القبيلة عني
كنتُ أصعدُ إلى أعلى السطح
أتبع وقع خطوتها في فسحة الدار
أتحرى ظلالها
و من بين نساء البيت
أعرف أن هذا الظلال لها
و من يومها عرفت ظلي وتعلقتُ به
تعقبته و تعقبني
وكثيرا ما أحسه يصطفُ معي
ويسير متخفيا وراء جزءٍ من أذيال ثوبي
عرفته منذ اللحظة
حتى كبر معي .
أخَــفـتــَني يومها أكثر
خفتُ على ظلي منكَ
من رائحة الرمل الذي عبث بكَ
وضعتَ الوسادة مستقيمة ورائكَ
أسندتَ ظهركَ للسرير و قلتَ :
الحياة تبدأ من السرير وتنتهي فيه
النعشُ سريرنا الأخير
ثم انحنيتَ إليّ قليلا
أخذت يدي
قلتَ : هل تأذنين لي ؟
أريد أن أسكنَ قليلا إلى بعض من جسدكِ
أريدُ هذا الكتف
رأسي متعبٌ .
أنصـّتُ إليكَ
تركتُ ماءَ حديثكَ
يتدفق على ضفافي
و لم أدَعكَ تقترب لتمسََّ مائي
أنـْصـتُّ إليكَ
و بيَ خفق من قلق
و سألتكَ في وجلٍ :
هل أحببتها ؟
نظرتَ إليّ
فرأيتُ شيئا لا كالدمع
رأيتُ بلادا مثقلة بالوحشة بالجدب
وطنا يبحثُ عن مأوى
رأيتُ الفقد .
ارتعبتُ حينها
خفتُ أن تجيبني
رجوتك بداخلي : ألا تفعل
كان وجهكَ كتلة موقوتة
لا أدري ما الذي سيتكـّشف عنه
و لكنكَ فعلتَ
قلتَ لي :
لم أحبها
لم تحبني
كنتُ في وريدها
و كانت تسـّرح
شعيراتي الدموية.
اختـُطفتْ
لم أبلغ منها غير حسرة
أتعلمين ؟
ليس بي إلا هاجس الشعراء
كطرفة ابن العبد
عندها خبأتُ وجهي
في الوسادة خلف ظهركَ و بكيتُ
قلتُ لكَ : ( الموت ) ؟!
لمَ لا يكون هاجسنا الحياة ؟
آلـمكَ حزني
اقتربتَ تربـّت عليّ متوسلا قلتَ :
أنا و أنتِ تجمعنا سحابةٌ ثرية
أمطرتْ كثيفا
و لكننا ندرك أنها مجرد سحابة
و تابعتَ : لا تبكي ستعودان
هو يحبكِ أيضا
رأيته وهو يصافحني للمرة الأولى
هو يعلم أنني بصحبتكِ - تبسمتَ في زهو-
حين قلتَ لي : يخشى عليكِ مني
رأيتُ في عينيه
أقسم على أنكما ستعودان لحبكما
رفعتُ وجهي مبللا
كانت الساعة تقترب
من العاشرة والنصف صباحا
كان كأسُ العصير قد أوشك على المنتصف
نهضتُ أسلم عليكَ
قلتُ لكَ : عليّ الذهاب للعمل
لمَ أمسكتَ بي حينها رافضا مغادرتي لك ؟
قلتَ فيما يشبه التهديد :
إن خرجتِ الآن سأغادر بعدكِ
لن أنتظر المساء ،
أعرف أنكِ لن تعودي إليّ
لقد جئتُ من أجلكِ
ابقي قليلا
ابتسمتُ لكَ
خرجتُ
و كانت بيدي سحابة ثرية
لم تمطر بعد .