الحمقاء الــــتي ..؟
.. لفته في قماط أبيض ، وقلبها ينفصل عن جسدها كما تنفصل الورقة عن الغصن ، قبلته بحرارة ، دغدغت خده الصغير بلطف ، مسحت دموعها بكمها ، فأخرجت صهداً حاراً من جوفها..
تجس الحارة بعينيها .. صبح جديد يتنفس بصعوبة، يمد أنواره إلى أبعد نقطة ، والظلام يندحر على مهل، أسرعت في خطاها.. أنفاسها ترتجف.. سارت وسارت ..؟
وضعته بيـن أعشاب يابسة ، التراب يتنسم رائحة قماش أبيض .. نظرة سريعة خرقت جسمه البض .. دموعها تلمع في مقاطع كلامها:
ـــ ترى ..ابن من أنت ..؟ لماذا جاءت بك الأيام خلسة في ليلة ظلماء ..؟
تحسست قلبها ، صفعت خديها كأنها تكفر عما جنت من خطيئة سوداء .. الفؤاد يرتبك ، الكلمات تتعطل في حلقها، خواطر سيئة تتقاذفها.. ما تتمناه أن يكون بين أيادي أمينة .. أن يعثر عليه أحد بسرعة.. تريده أن يحيا..أن يشب ويرزق .. أن يأكل من ثدي امرأة أخرى .. تـلعن زمن الخطايا في نفسها ..
الرضيع يمتص السائل الأبيض في تؤدة، يحصي الدقائق ، بين الحين والآخر يتوقف عن المص، رحلة الامتصاص تستمر، والدقائق لا تتوقف.. أغمض عينـيه ونام غير مبال بشيء.. وما ينتظره من مصير مشكوك فيه ..
أصبح الشارع مسكناً لها ، تحمل في يدها دمية عارية ، حمق عنيف يستـل عقلها في لطف ، يقـتل حياتها الخالية.. والحمق سيد الغضب السريع ..
تجوب شوارع مدينة مكناس .. تضرب على دف مقعـر...عندما يصيبها هيجان الغضب،
يتجوق عليها الأطفال.. ينادونها بالحمقاء، فلا تـنزعج ولا تـتبرم ترسم على شفتيها ابتسامة حمقاء .. تتوقف عن المشي ، وبأنفاس متصاعدة تنادي بأعلى صوتها : ياناس.. أين ولدي ، أين ولدي ..؟