عبد الحميد الغرباوي
* تخفيف من حرقة الأسئلة
سؤال فريد يوازي في فرادته فراشة سوداء، أو حجرا كريما يجمع في بلوراته كل ألوان قزح.. و ماذا لو كان السؤال: هل تعرف ما تريد منك قصتك القصيرة أيها القاص؟ لسؤال مربك، و محير ، إذ كيف أطمح أو أنتظر تحقيق ما أريد من شيء أنا خالقه، مبتكره، في الوقت الذي أنا المطالب بتحقيق أو تلبية طلبات من أبدعته و أخرجته إلى الوجود السؤال يرمي بي في متاهات الخالق و المخلوق، و لعمري هنا تكمن خطورة السؤال... و حتى لا يجرفني الخيال أو التفكير بعيدا إلى حيث لا أدري... أخضع للعبة السؤال، و أجيب ببساطة بما يلي :
عندما أكتب قصة قصيرة، أنتظر منها، أن تخفف عني من حرقة الأسئلة التي تؤرقني، بالإجابة على نسبة ثمانين في المئة منه ، وان تكون الحد الفاصل بين الثرثرة والمختصر المفيد
أحمد شكر
*اريدها حمالة لتوقيعي
نادرا ما تستفزك أسئلة منفلتة ودقيقة تجبرك على التوقف طويلا أمام مرآة ذاتك لتعيد صياغة هذه الكلمات بأشكال و أوجه مختلفة وما كان مضمرا غير منتبه إليه يصبح عصب اللحظة ومركز الكون لتعيد ترتيب دقائق الأشياء بالنسبة لك في علاقة بما تظنه يربطك بالعالم الكتابي.
السؤال يولد أسئلة وهذا هو الأهم فيمكن إعادة صياغة السؤال بهذا الشكل ماذا تريد من الحياة؟ هل يمكن أن نجيب بدقة مقنعة.؟
أظن أن الإجابة جلية وهذا ما يشدك إلى أن تختار عن وعي أو بإعاز قدري الكتابة في جنس القصة، لأن الكتابة في هذا المضمار تحررني من مجمل مكتوباتي وتحرضني على طرح الكثير من الأسئلة التي لم أجد لها بعد أجوبة مقنعة.
الكتابة في جنس القصة، تحقق نوعا من الإشباع الروحي والكثير من التوازن النفسي الذي هو دعامة أساسية لمواصلة لعبة الحياة كي نتغلب على هذه القتامة وهذا الجنون الذي يحكم العالم.
من المفروض أن تمنحك القصة القصيرة رؤية خاصة تخترق الأشياء المنظورة أي رؤية ما بعد الشيء، فكاتب القصة: أحاسيسه ونظرته ورؤيته وتفاعله مع الأشياء ليس عاديا أي أنه يخرج عن خانة المألوف ليبدع شيئا إستثنائيا.
في أحايين كثيرة نكاد نصاب بيأس وقنوط كبيرين من جدوى الكتابة والحياة ذاتها ففي أرض غير ثابتة وواقع يتغير بسرعة مفرطة هل تجدي التأتأة الصادرة عنا وخربشاتنا في تغيير البشاعة التي تحاول طمس كوكبنا؟
إذا ماذا نريد بالضبط من الانغماس في الكتابة؟
الاحتفاء بالجمال، صوغ التفاصيل الدقيقة المهملة التي لا يحتفي بها أحد، إعادة كتابة الأحلام التي تأسرني في حدائقها الفاتنة في منامي.
هي أشياء وأشياء كثيرة مضمرة في القصة التي أريدها أن تحمل توقيعي لأنها رسالتي إلى الآخر، بصمتي وصوتي الذي أسعى أن يكون جليا وهادئا.
مصطفى لغتيري
*الوضوح والمتعة
ماذا أريد من قصتي ؟ سؤال على قدر بساطته ، فهو عميق و طريف ، و الإجابة عليه بقدر ما تبدو بديهية ، فإنها – في الوقت نفسه- صعبة و مخاتلة ، لذا سأحاول أن تراعي إجابتي كل هذه الحيثيات .
أريد من قصتي أن تكون واضحة، حتى يقبل عليها الجميع و تحقق- بالتالي- المتعة المبتغاة ، و أن تكون عميقة" حمالة أوجه "، يمكن لكل قارئ أن يتعاطى معها بشكل مختلف عن غيره ، فيجد فيها زيد ما لم يظفر به عمرو..
أريدها بسيطة و هادئة على مستوى معناها الأول ، بل و رائقة و جملية " يزيدك وجهها حسنا كلما زدته نظرا " ، و مضطربة متأججة ثائرة على مستوى معناها الثاني و الثالث و هلم جرا…
أريدها مكثفة ، تختزل في عبارة واحدة ما يمكن قوله في صفحات .. أريدها سادرة في محليتها على مستوى أحداثها و أمكنتها و شخوصها ، و إنسانية على مستوى أبعادها و رؤاها ، تنتصر لقيم العدالة والحرية و محتفية بالإنسان كما هو ، بجبروته و ضعفه ، بنجاحاته وانتكاساته، بعواطفه الجياشة و قسوته الضارية ، بأحلامه الجامحة و واقعيته الصلدة..
أريد من قصتي أن تبصر بعين نافذة كعيني زرقاء اليمامة ، كي تنتبه للتفاصيل الدقيقة و منها تصنع عالمها المتخيل .. أريدها أن تمتلك سمعا قويا يلتقط أبسط أنة و أوهاها ، ليؤثث بها عالم القص .. أريدها أن تمتلك حاسة شم قوية ، حتى لا يفوتها أن تلتقط الروائح، التي تعبق بها الأمكنة و هي ترصد الأحداث و تسجلها.
أريد من قصتي أن تكون- دائما و أبدا - محفزة على الكتابة ، بحيث تغدو نهاياتها بدايات لقصص جديدة ، لكي تبقى نار القص متأججة على الدوام ، ولا تخبو أبدا جمرتها..
أريد من قصتي أن تتجاوز حدود العالم الواقعي ، و تجد لها موطئ قدم في عالم العجائبي و العجيب و الغريب ، حتى تقدم تفسيرا ممكنا و إضافيا للإنسان و العالم من حوله ، أي تساهم في خلق المعنى ، كما فعلت أجمل الأساطير و أبهاها.
أريد من قصتي أن تبني عالما موازيا ، يكمل نقص هذا العالم الذي نحيا بين ظهرانيه ،و الذي أحس أن فيه من الثغرات و مواطن النقص، ما لا يستطع سدها و ترميمها غير القصاصين خاصة و المبدعين عامة.
[/size]