مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قمع الرأي المختلف أو المخالف: الأسباب والتداعيات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. تيسير الناشف




عدد المساهمات : 45
تاريخ التسجيل : 01/02/2008

قمع الرأي المختلف أو المخالف: الأسباب والتداعيات Empty
مُساهمةموضوع: قمع الرأي المختلف أو المخالف: الأسباب والتداعيات   قمع الرأي المختلف أو المخالف: الأسباب والتداعيات Empty2/9/2008, 21:16

قمع الرأي المختلف أو المخالف: الأسباب والتداعيات

د. تيسير الناشف

إن ثقافة إنكار حق اتخاذ الموقف المختلف عن الرأي السائد أو الموقف المخالف له لا تفسح مجالا لنشوء التعددية الفكرية التي تتضمن التعايش الفكري. وتنافي هذه الثقافة مفهوم المجتمع المدني لأنه لا يمكن نشوء هذا المجتمع بدون التعددية الفكرية. وهذا الإنكار صفة من صفات نظام الغاب فيه يبطش القوي بالضعيف، ومن صفات التشدد والتعصب اللذين لا يتيحان قيام تعدد الأفكار. ويدل هذا الإنكار على الانغلاق العقلي والفكري لأنه – أي الإنكار – منغلق على نفسه. وهو قمع للحرية الفكرية والسياسية ولجم للسان والقلم، وتهديد بالبطش بمن له رأي مخالف، وفتك به.
إن القيود من قبل لجم اللسان وصد سيلان القلم وممارسة الحرمان من الحرية تحدث في شتى ارجاء المعمورة – وعلى وجه الخصوص في عدد من البلدان النامية – بحجج، منها الرغبة في ضمان وحدة كلمة الشعب. وتلك القيود تؤدي بالضرورة إلى الإنغلاق العقلي والفكري وإلى القضاء على صفات من قبيل النزعة الفكرية والعاطفية الإبداعية وإلى الثني عن بذل الجهد الفكري. وهذه الصفات من المفروض أن تكون في عداد الثروة التي يمتلكها الشعب ليحافظ بها على نفسه.
وكلما قل عدد المسائل المطروحة للنقاش في صفوف شعب من الشعوب سهل تحقيق الإجماع عليها. وكلما ازدادت المسائل عددا صعب تحقيق الإجماع عليها. ونظرا إلى كثرة المسائل التي تنطوي عليها حياة البشر فإن قلة عدد المسائل المجمع عليها تعني وجود مسائل أخرى غير مجمع عليها. ومن دلائل الحرية الفكرية والسياسية والاجتماعية كثرة المسائل التي يتاح للمواطنين إبداء الرأي فيها ومناقشتها من أجل قبولها أو رفضها بدون خوف من انتقام المتولين للسلطة الرسمية وغير الرسمية أو الحكومية وغير الحكومية. عن طريق هذه الحرية يمكن تحقيق التفاعل والتحاور الفكريين. وبذلك يقل الانغلاق العقلي والفكري ويزداد الانفتاح العقلي والفكري وينشأ ويتعمق الوعي بوجود بدائل وخيارات والوعي بمفاهيم المشاركة والتوفيق والتفاعل والديمقراطية والتعددية والإنصاف.
وفي ظل ثقافة الإسكات والقمع هذه يسهل على أصحاب الرأي الواحد المهيمن أن ينتحلوا لرأيهم صفة "الإجماع الوطني"، ما يؤدي إلى تهميش الرأي الآخر وتشويه صورته وتجريمه ووصفه بشتى النعوت المشوّهة غير الصحيحة.
ولا تحقق وحدة الشعب بفرض فكر واحد ولكنها تحقق عن طريق جعل قاعدة الإجماع عريضة بحيث تتسع للأفكار المختلفة التي يحتضنها اصحابها في إطار المرجعية والمصالح العليا للشعب. "وحدة الكلمة" عن طريق فرض فكر واحد واستبعاد أفكار أخرى هي الوصفة لتفتيت وتجزئة كلمته وتشتيت جهوده وطاقاته، لأن أصحاب الفكر المستبعَد يكونون مستائين ساخطين وهم يوجهون طاقاتهم الفكرية إلى محاولة نقد حالة غلبة الفكر السائد وإلى تغيير هذه الحالة.
وتؤدي هذه الحالة إلى تولد الشعور بالإحباط ونشوء التهكم من هذه الحالة، والانكماش عن النشاط الشعبي المخلص لما فيه مصلحة الشعب والوطن.
وتكون المحصلة تخلف الشعب عن تحقيق التقدم السريع الحركة صوب التغيير المنشود والنهضة وعن مسايرة ركب الحضارة السريع الحركة. ففي العالم الذي نعيش فيه تتطور الحضارة بسرعة، ولجوانب هذه الحضارة آثارها العالمية النطاق. وعدم مسايرة التقدم الحضاري، الذي يتضمن التقدم العلمي والثقافي والتكنولوجيأ بما في ذلك استحداث الوسائل الدفاعية، معناه أن الشعوب المتخلفة لا تحسن الدفاع عن نفسها.
إن عدم اتاحة الفرصة لأن يعرب أصحاب الفكر المختلف أو المخالف عن فكرهم يدل على ما يعتور الثقافة السائدة من عيب جوهري. عدم الإتاحة هذا يدل على السلوك الأناني والقصير النظر وغير الديمقراطي والهمجي الذي ينال من شتى شرائح المجتمع. ويسهم هذا السلوك في إيجاد جو الخوف النفسي والفكري الذي لا يمكن في ظله أن تنشأ وتنمو وتزدهر حياة اجتماعية وثقافية فكرية قويمة.
والحقيقة أن المعيار الأهم لمدى سلامة كثير من المؤسسات الاجتماعية ليس قدرتها على التوقف في تطور محتواها عند نقطة معينة بحجة الإجماع عليها ولكن مدى قدرتها على التعامل بموقف فكري منفتح على البيئة ذات المستجدات الفكرية المتسقة مع القيم والمصالح العليا للشعوب، مما يفضي إلى قدرتها على التكيف اللازم معها. ويعرف علم الاجتماع "المؤسسة" بأنها "المراكز والأدوار الرامية إلى أداء وظائف اجتماعية رئيسية. ويعرف "المركز" بأنه الوحدة الصغرى في البنية الاجتماعية البشرية. ويعرف "الدور" بأنه الطريقة التي بها يحدد المجتمع كيف يتصرف الفرد في مركز خاص. فالقبلية والعشائرية والحمائلية والطائفية والمشيخة أمثلة على المؤسسات. وإذا افتقرت تلك المؤسسات إلى هذه الصفة اتسم محتواها الفكري وأداؤها بالجمود. ومن شأن هذا الافتقار أن يعني أيضا ضعف تلك المؤسسات وتفككها وفقدانها للقدرة على التغير بما يتمشى مع تلك المستجدات المجدية للشعب المنضوي تحت لواء تلك المؤسسات. وبتخلف المؤسسة عن مسايرة تلك المستجدات وبعجزها عن هذه المسايرة يصبح أداؤها لوظيفتها متسما بالجمود. ونتيجة عن ذلك ينشأ استياء ونفور وبغض ورفض لدى الشعب الذي لديه اطلاع على الفوائد التي يمكن جنيها من تلك المستجدات الفكرية. وعدم مسايرة المؤسسة للمستجدات الفكرية المجدية قد يعرضها للانتقاد والتحدي والعمل من أجل تغييرها أو استبدالها. وتجر هذه الحالة المتوترة أو المتشنجة إلى انقسام الشعب بين الذين يحاربون المؤسسة والذين يريدون بقاءها لأسباب، منها انتفاعهم منها أو لأنهم يستمدون الطمأنينة النفسية من وجودها.
وفي الحالة التي يكون فيها مؤيدو بقاء المؤسسة أقوياء، وهي الحالة التي تسود في كثير من المجتمعات، يلجم هؤلاء المؤيدون أفواه المحاربين للمؤسسة ويبطشون بهم ويزجون بهم في السجن ويعذبونهم ويحرمونهم من موارد رزقهم، وذلك كله بذريعة أن المحاربين للمؤسسة متمردون على النظام العام في المجتمع وخارجون على "الإجماع القومي" أو "الإجماع الوطني" أو "الإجماع الإجتماعي" ومفسدون للاستقرار الاجتماعي المستتب.
هذه الحالة المروعة تزيد طبعا ابتعاد المجتمع عن النظام الديمقراطي وتقلل طبعا احتمال نشوء المجتمع المدني.
إن عبارات من قبيل الاحتكار والأحادية والإرسال دون التلقي لا بد من ان تؤدي إلى التوتر والخلاف مع الفئات المؤمنة والمنادية بالتعدد والتنوع والمشاركة والحرية. من هذا المنطلق لا يصح اعتقال الناس وإيذاؤهم على أي نحو من الأنحاء لمجرد أن فكرهم مختلف أو إيذاء المفكرين والأدباء والفلاسفة لمجرد أن نظرتهم مختلفة أو مخالفة. ولا يصح إغلاق الصحف والمجلات لأنها تحمل رسائل مختلفة، مثل رسالة الديمقراطية أو رسالة الثقافة الديمقراطية أو فكرة كبح أيادي المتولين للسلطات الحكومية وغير الحكومية أو فكرة التغيير. ولا يصح أن تحرم الدولة فئات من الدعم المالي الذي تقدمه لغيرها من الفئات لمجرد أن الفئات الأولى ذات توجه مختلف أو مخالف. الدولة ينبغي أن تكون للجميع، دولة جميع مواطنيها، وليس فقط دولة الذين يؤيدون أصحاب السلطات الحكومية. الدولة التي لا تكون دولة جميع مواطنيها تكون دولة منقوصة. منح الدولة لمساعدات لشرائح المجتمع ينبغي ألا يكون متوقفا على رضى أصحاب السلطات الحكومية.
من منظور الفكر ذي الاتجاه التقدمي والديمقراطي المستنير ينبغي ألا يسمح لشريحة واحدة من شرائح المجتمع أن تفعل بالمجتمع ما تشاء أو أن تقرر صورة مستقبله بدون مشاركة الشرائح الأخرى في تقرير صورة هذا المستقبل. ليس في وسع البشر أن يسمحوا لفئة واحدة أن تقرر لهم مصيرهم. في الحالة التي فيها تقرر مجموعة واحدة من مجموعات المجتمع مستقبله أو مصيره أو تحتكر اتخاذ القرار عن سائر جماعات المجتمع فإن من المهام الأولى للفكر الديمقراطي النقدي المبدع أن ينتقد ويستهجن ويدين ذلك وأن يبين البدائل الموجودة من ذلك.
وينتشر في أجزاء كثيرة من العالم، في البلدان النامية والمتقدمة النمو، الجو الفكري القمعي الأحادي الجانب الذي لا يترك هامشا لاحتمال خطأ وصواب أصحاب أفكار أخرى. إن عدم ترك هامش لاحتمال الخطأ قد يكون ناجما عن ثقة الفرد المطلقة أو الثقة المطلقة من جانب فئة بصحة أفكارها وبخطأ أفكار فئات أخرى.
وتجلى هذا القمع في بلدان في العالم النامي في تخوين عدد لا يستهان به من المثقفين والتهجم غير الموضوعي والشتم وتصويب أصابع الإتهام والإدانة والتسفيه والإقصاء.
وينال القمع الفكري من النمو والإبداع الفكريين. ولا يمكن أن تنشأ وتزدهر الديمقراطية في مجتمع فيه يمارس القمع الفكري وتعتقد فئة بأن معرفة الحقيقة مقصورة عليها وبأن لديها الإجابات الوافية عن كل الأسئلة وبأن لديها حلولا لكل المشاكل وبأن الفئات الأخرى مخطئة، مجتمع لا يسمح للناس بأن يناقشوا آراء أي فئة من الفئات.
وتعزى هذه الحالة المعضلة إلى أسباب من أهمها تركة القمع والقهر الفكريين، وتعرض البلدان النامية لتأثيرات أجنبية عديدة وذات آثار متفاوتة، ما أسهم إسهاما كبيرا في نشوء احتقانات وتشنجات فكرية، وفي نشوء حالة تتعزز فيها التأثيرات التي تستلهم اعتبارات تولي الحكم ومواصلته واعتبارات المصالح الأجنبية على حساب التأثيرات الفكرية المعززة للاتجاه الديمقراطي ولتعدد مصادر الخطاب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قمع الرأي المختلف أو المخالف: الأسباب والتداعيات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات متفرقة :: مدار المقالات-
انتقل الى: