مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 " سمينيع" البويحياوي: من أرخبيل الفقر إلى "متاهة" الإبداع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مدارات
المدير العام
مدارات


عدد المساهمات : 134
تاريخ التسجيل : 18/01/2008

" سمينيع" البويحياوي: من أرخبيل الفقر إلى "متاهة" الإبداع Empty
مُساهمةموضوع: " سمينيع" البويحياوي: من أرخبيل الفقر إلى "متاهة" الإبداع   " سمينيع" البويحياوي: من أرخبيل الفقر إلى "متاهة" الإبداع Empty1/4/2011, 22:50

" سمينيع" البويحياوي: من أرخبيل الفقر إلى "متاهة" الإبداع Boyahyaoui




بقلم عبد الله المتقي







حينتسافر في صورته لأول لقاء معه، تتسلل إلى ذاكرتك صورة مبدع كردي عارياً من الوطن يحمل في قفصه الصدري حريق القلب، لكن حين تطير معه في سماء الصداقة ، تكتشف في داخله طفلاً وديعاً لا يقوى حتى على إيذاء عصفور. طفل قروي هو با إسماعيل البويحياوي ، أزيد بقليل من من خمسين حولاً ، هي حياة هذا الطفل الحافي من شارب كث أو خفيف. هذا الجنين الذي بلزته " الحاجة نجمة"، بدوار أولاد طالب إحدى هوامش خميس "الزمارة" بكرا، بعد معاناة مع إسقاط الكثير من الأجنة ، وبمباركة من زيارات متعددة لقبة " سيدي محمد بن إبراهيم " ، وبضفيرة زاهية بالعقيق( العَيَّاشَة)، بقي با إسماعيل على قيد الحياة ، مع الشكر الجزيل للخالة " لالة امباركة " التي اقترحت هذا السيناريو العجائبي.الفتى الآن برباط الفتح، دوار " الكرعة " تماما ، فقراء من عبدة ، دكالة ، ومن احمر ، والشياظمة، والصحراء. أرخبيلات مهاجرين لفظتهم البادية وحضنتهم براريك كالفوضى. رائحة النعناع والفقر الكافر ،الأزقة الضيقة المتعرجة المفضية إلى حيث تجتمع العجائز والنسوة لتقشير الزمن المغربي. هنا طفولة با إسماعيل. هنا تمر الفتيات إلى "السقاية "، هنا يتكئ الشيوخ كي يتلذذوا بأشعة الشمس حتى لا يتعفنوا. وبالقرب " جُوطْيّة دوار الكرعة". كرنفال من مغرب الستينيات والسبعينيات يؤثثه بائعو " عْرارم الخبز كارم" و "حمص كامون" و" طايب وهاري"، ورواة العنترية والأزلية وذات الهمة، وكلام سيدي عبد القادر الجيلالي، ورْبَاعَاتْ الشيوخ والشيخات. ولد رقية المشهور بـ" ولد رْغيَّة"، والفكاهي ذائع الصيت" لَقْرَعْ"، وشيوخ الأغنية الأمازيغية، وحمادشة ، وعيساوة، وهداوة وكناوة، والطُّلْبَة والسَّاحر، والعَشَّابة، وبائع حلوى" جبان كول وبان". هنا متحف حي في تلافيف الذاكرة تحت يافطة" رباط يعقوب المنصور. وهنا كان يعود الوالد " سي أحمد " متعباً ، لكن باسماً، يحمل في " قبه" ماتسُد به العائلة الصغيرة فراغ البطن. الدوار ذاته يعبره الفتى برأس ثقيلة ، ومع نور الفجر في الطريق إلى "المسيد"، كي يجتمع حول الدرس الصباحي للفقيه محمد الشيظمي، الذي يظل يوزع آيات من الذكر الحكيم على أطفال أغلبهم لم يتناولوا طعام الفطور، وإن حدث فخبز بائت وشاي بارد. بعد الصلصال ، وتخطيطات اللوحة بالصمغ ، يحفظ الفتى ربع ياسين ، تفرح " مي نجمة " و" سي أحمد المهاجر"، ذلك ما ردده الأطفال بصوت مندغم واحتفالي :
" طالب طالب يايو
أفرحات مو أوبوه
الطالب في الجنة
والجنة محلولة ".
كل هذا لوجه الله ولله فقط. ولا ينسى البويحياوي أن يحدثك عن " لَرَبْعِيَّة"، وهي عَشْرَ دَرْيَالْ- وكانت نحاسية وجميلة- تمنح للفقيه كل يوم أربعاء. هي كذلك طفولته بالأبيض والأسود، طفولة عارية "كافرة "كالخصاصة والجوع ، حافية وعارية من البذخ و" الخناث "، وحافلة بمعدنها الصلب ، لكنها جميلة كتخريجة " الفقيه الشظمي" على اللوح. تنفتح بوابة مدرسة محمد الخامس ( حي الأقواس) في وجه با إسماعيل متأخرا. يرسله الفقيه ويحتضنه بحب كبير، معلمه الأول المربي والفنان والرسام " أحمد لمومني".
تسير الأيام هكذا، بحكاياتها ومقالبها ومغاراتها ، فيحصل با إسماعيل- التلميذ الذي يعرفه مدرسوه وزملاؤه وأصدقاؤه حفَّاظة مجتهدا مواظبا- على البكالوريا، ويلج كلية الآداب بالرباط ، ثم طالبا بالسلك الثالث ، ويشتغل على المعلقات السبع تحت إشراف الأستاذ بلمليح. يوقف رسالة الدكتوراه الوطنية عن "كتاب الفرج بعد الشدة" للتنوخي في آخر مراحلها. يكتم السبب في صدره، وتومض عيناه: ربحت معرفة جيدة بالتخييل والمقاربة التداولية التأويلية الجديدة. وقرأت الخبر العربي في مظانه ( أخبار البخلاء، الحمقى ،المغفلين، المجانين، الأذكياء، الجواري، والصالحين)، وجُل ماكتب عنها قديماً وحديثاً، انضافت إلى ثقافته وقراءاته الشعرية، ورشفه للمدونة القصصية العالمية والعربية والمغربية. يقول إنها تجربة ساهمت في تطوير كتابته للقصة القصيرة جداً.
ثمة شيء مازال يؤلم بااسماعيل ، ثمة ما يعكرأحيانا حتى إمساكه بمقود سيارته ، هي " عنقه وقصعة ظهره " . يحكي عن هذا الألم الذي مازال ملتهباً في ذاكرته ، يحدثك عن ذاك الرفس، وتلك العصا الغليظة التي نزلت على قفاه من ساعد "مردة" أواخر السبعينيات على هامش إضراب للطلبة، احتجاجاً على وطن ليست سياسته التعليمية كما ينبغي لها أن تكون."سي أحمد المهاجر" الأب الذي كدح ما يكفي مع غسيل الصوف بماء البحر و"تِغَشْتْ" وفي الأسواق ، مع عربته ، مع أوراش البناء ، مع العمل قابضاً في الحمام ليطرده مستخدمه و يتنكر له. يضطر الطالب إسماعيل لإيقاف دراسته الجامعية العليا، يحرمه الفقر من إتمام دراسته خارج المغرب. ينجح في امتحان الدخول إلى المدرسة العليا للأساتذة بالتقدم، ويتخرج فيعين بالصخيرات وبعدها بتمارة، ثم يوضع رهن إشارة التعليم الفرنسي بالمغرب. تحملالبويحياوي مسؤولية عائلته الكبرى وحقَّق للفقير سيدي أحمد والحاجة لالة نجمة ما أفنيا عمرهما من أجله.. و حزم سي أحمد البويحياوي أتعابه، ومرضه، وزمنه المغربي في كفن أبيض وغادر " تادونيت " في منتصف التسعينيات. بكى باإسماعيل وبكت القصة ، كما حزنت تلك المسودات والتمرينات الشعرية التي كان يخربشها في عزلته الذهبية . أما روايته ، ونصف روايته ففي رفوف من مكتبته تساقط من عيونها عبرات، كما ندى الصباح من شجرة مسنة أكلها الخريف.
إسماعيل اليتيم الآن ، أب لثلاثة ملائكة اختار لهم من الأسماء : أحمد، كوثر ، ومروة ، ومدرس للغة الضاد بثانوية ديكارت برباط الفتح. عاشق للموسيقى وللقصة القصيرة كما قيس ليلاه. سيارته استوديو من الغناء ، حين تصطحبه في سفرية ما ، أول ما يبادر به هو إسماعك ما تيسر من " المرساوي " ، وناس الغيوان، ورويشة، ونصير شمة وروائع الغناء الطربي العربي. و" كوفر" سيارته خزانة كتب: روايات ، قصص ومذكرات ترافقه أنى حلَّ وارتحل. حين تسرح الطريق يحدثك عن ندف روحه ، عن مظلاته التي في القبر ، عن قطفه للأحلام في يقظته ، عن احتسائه حبر الكتابة رغم مرارته ، وفي زمن العزوف عن تذوق الكتاب . أما وهو يقرأ لك قصته " دمعة القصة "، التي يحفظها عن ظهر قلب فيفتتك إلى شظايا ، ويورطك في محبة القصة القصيرة جدا، هذا اللون السردي الجديد الذي يعتبره " ربطته الزغبية" ، ويغار عليه من المتهافتين والفضوليين.
هكذاهو هذا الرجل " الزمامري " يظل في داخله طفلاً مشاغباً تبهجه الكتابة ،البحر ، لَمَّة الأصدقاء، وروح المرأة وهرموناتها الأنثوية الخالصة. هكذا هو إسماعيل ، مبدعاً موغلا في إنسانيته ، قارئا نهما للهايكو ، ولندف النار. هكذا هو سائق ماهر لسيارته الرمادية ، التي تفتح أذرعها، للمبدعين. هكذا هو هذا البدوي ، يضعك في ركن حياته كما " السطل" وبدون صخب ، إن اكتشف أنك تتقن المكائد، والرقص على الحبال، أو لا تتساوق وإياه في محبة الحياة والشغب الجميل.
هكذا هو سمينيع.
هكذا هو إسماعيل البويحياوي.




عبد الله المتقي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://madarate.keuf.net
 
" سمينيع" البويحياوي: من أرخبيل الفقر إلى "متاهة" الإبداع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفقر وحروفو...
» مقاطع من أرخبيل الموت
» رموش الإبداع
» اسماعيل البويحياوي في لحظة مكاشفة مع جمهور مدينة تيفلت
» الإبداع: التجربة والانطلاق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات نقدية :: مدار البورتريهات الأدبية-
انتقل الى: