شارد ومفكك
الوقت بين قصيدتين شارد ومفكك، لا يحتمل المشي بين باقي الأجناس في شوارع مزيفة بأضواء باهتة، وإن كانت مرصعة بأرصفة باذخة.
الوقت بين قصيدتين معلّق دون أن يتدلى من أي سقف.
كل سقف واطئ،
بينما الوقت بين قصيدتين عمودي ومطلق خارج المدارس والتيارات والبيانات، وخصوصا الحملات الإيديولوجية.
والوقت بين قصيدتين، توأم الميتافيزيقا، وهذا احتمال وارد على الأرج ومبهم، إلا في العود الأبدي للشاعر المغتال قبل أو بعد أوانه.
في القصيدة، وفي الوقت بين قصيدتين، ترتكب حماقات، يُعاد تشكيل عوالم سرية، تلغى حدود وترسم أخرى، ويظل المجانين أحرارا دون قيود أو مارستانات تعيدهم لحياة يهربون منها في القصيدة، وهذا احتمال وارد تماما في الوقت ببين قصيدتين.
الديوان - ديوان العرب المخرَّب- أو المجموعة الشعرية، كفن الشاعر عندما يريد أن يحيا بعد ميتة هنيئة ومطمئنة -عليه، لا على الشعر- بين الشاعر والصفة.
كل مجموعة شعرية، قتل جزئي للشاعر. وكل قصيدة معزولة، حياة ثانية لشاعر يموت يوميا، احتمالين واردين غالبا في تصالح اللغة مع المخيلة، أو تنافر صورها.
الشعر في النهاية صورة، صورة الشاعر وهو يستيقظ باكرا أو بعد الظهيرة ثملا يتزين أمام مرآته، التي لن يرى فيها نفس الوجه مرتين.
هكذا خبّرني هيراقليط ذات حلم وأنا نائم في شذرات إغريقية، حيث باخوس سبب كل عربداتي بي وبالقصيدة، بينما في الأسفل، في الصحو، يتضوّر نيتشه جوعا لسالومي المتمنعة العنيدة، امرأة بدون قلب، مرتزقة
تتقن فن استثمار العلاقات، وتتقن فن الأكل بشوكة علم النفس التحليلي الكثير من نفسية الشاعر الملعون.
في الوقت بين قصيدتين يحصل كل هذا وأكثر، حيث يخلد الشاعر إلى كتابة ملحمته التراجيدية الحقيقية، والتي لا يدركها على الأرجح. أما قبل أو بعد الوقت بين قصيدتين، فهو يكتب الكلمات ليعوض خساراته الهائلة التي تتجاوزه..