[center]مرثية على جدار الأبد
r[cencolor=indigo]إلى محمود درويش الذي رأى أجملَ مما يجب
عبد الحميد شوقي
على تلة الغد
انتظر قمر موته
صافح الأيادي الملوحة بالرحيل
وألقى عينيه الصاحيتين
على مروج الجليل
وما قال غير وردة للوداع :
أنا الآن أجمل من هذا الموت
من هذه الأرض
ومن صفرة القمح
أنا الآن أبهى
مما تبقى على المقل
من دموع الأمل ...!
* * * *
كان ينتظر دهشة أخرى
ليكمل اخضرار الدم
على بساتين الرماد
كان ينتظر فنجان قهوة أخيرة
ليسلّم راية قلبه للبلاد
كان يلوّح لدموع الصبايا الواقفات
على رصيف الحداد
كي يتحقق من صدق القصيدة
حين أنبأته بالموت قبل الميعاد ..
وكنت أحادثه في شغاف الفؤاد :
أنت الغياب المخاطَب
ليس عليك كالشمس سوى أن تكون
وليس على الموت – وهو يسرق كأس نبضك –
سوى أن يخون ..
البلاد هنا بأكملها :
رام الله.. تراب البروة.. حرس الرئاسة.. صراخ سميح القاسم.. خطابات المودعين.. دموع الذاهلين.. شرود الأم على الكرسي المتحرك.. عرّاب الآخرة.. السماء الملبدة بالرثاء.. عدسات الكاميرا.. عبق الأساطير.. صمت الدم.. انحراف الثورة..
كل البلاد كانت :
فلسطين تحاملت على جرحها
ورتلت نشيد الجنازة
على امتداد الطريق النازف..
سألتْ عصفورة ريحا ثاكلة :
من ذاك الحاضر خلف الغياب ...؟!
أجابت :
هو العاشق الكوني
يخلو لقيلولته في السحاب
ريثما ينهي موتا عابرا
جاء قبل الأوان ..!!
* * * *
حين مر الوطن
مترجلا عن حدوده القديمة
لم ينهض مع الذاهبين إلى أوسلو
وأوغل في شغاف القصيده
يرسل قلبا إلى أحلامه البعيده
رأى دمه الأهلي يجري
على يده في ليلة الانقلاب
رأى وردة حمراء
أجملَ من زهرة البنفسج
وأبسط من أسماء الغزاة
رأى امرأة شهواء
تشنق نفسها على منحنى جبل شاهق
وفي كل شهقة
يختفي قاتل محترف
ويشتعل ثأر مختلف ..
قالت له التفاصيل الواضحة كالنهار :
أخطأت الطريق إلى مدن الرماد
لم تأكل ذرة القدس
لم تصعد مئذنة الميعاد
لم تفتح الأقدار بوابة التاريخ
كما تريد
وفي انفلات الخريطة من الحلم
انقلب البلد المستعاد
على نبوءات الولد الجميل ..
* * * *
ماذا كان سيخسر الرب
لو عشت عشرين نبضة زائده
وغمست ثواني الوقت
في روائح ربوة صامده ..؟!
ماذا لو قاومت شهقة أخرى
وزففت قلبك لملحمة الانتظار
كي تبدأ ما تود الشرايين إنهاءه
من مخطوطة الحلم الكنعاني
وتستقبل على رصيف الناس
أميرة الأسطورة العائده.. ؟!
كان الزمان سيزداد طولا
والأهالي يخرجون من مخافر الدم
وفوق أعلى قمة للنهار
كان النشيد سيوصل
فتاه إلى سدرة الوطن
كي تأخذ البساتين شكلها الأول ..
كان الليل سيرحل
كان الطفل سيسأل
وكان الموت سيخجل
مما جنت يده
حين استلت قبضتها
لتشنق جبل الكرمل..
كانت ستطول القصيدة أطول أطول
لو عشت أبعد من زهر اللوز
على مرمى خطوتين
من القطار الذاهب إلى عكا..
كنا سنصدق الوهم
أن الدم المتفرق في البلدان
سيكسب الحرب
وأن الغزاة سيرحلون
قبيل الزمان
وقبل صحو الفرسان..
كنا سنصدق موتك الحقيقي
لندرك أننا استعرنا
لشموخ عرشك طائره
لنكون أصغر من ضريح
على تلة ساهره..
* * * *
كانوا يمشون في وداعك
ولم يمنحوك غير جلال الصمت
وما يستحق الشهيد من الأقحوان
كانوا يرفعون جسمك المتعب من هواء الوطن
بما يليق بالجنازة من عنفوان..
لو تصغي الأشياء لصفصافة
كانت تبكي من شرفتها
وتلوح بمنديل الفراق
لكان المكان الموعود بأبطاله
يفتح سيرة الياسمين
وذاكرة الأنبياء
حين مروا ولم يتركوا غير حكمة
أنبتت في المدائن ما يشبه
شهوة الامتداد
وما يشبه وضوح البلاد
على خفقات الفؤاد..
كانوا يقولون كلماتهم
عبر انطفاء الحناجر من ذبحة الفاجعه
ويفتحون شرايين اللحظات
كي تمكث بينهم ثانية فائضة
تساوي مليون ملحمة ساطعه
تأخذ شكل قصيدة مشتهاة
وما كان لك خلف الرحيل الصامت
غير أن تنشر صوتك المعتاد
فوق حبال النشيد الحزين
وترسل قبلة الموتى لتحية الأحياء
كي يجدوا فيك
ما لم يجدوه
في اقتتال النسور الجائعه..
* * * *
ترجلْ من موتك
ولا تكتب مرثية الرحيل
أحقا ستخلف عهدك للحياة
وأنت وعدت الأناشيد
بالنزول إلى حقول الزغاريد
وأنت وعدت الشهداء
بشمبانيا.. بدرس في الوجود
ورحلة إلى الأبد
وأنت كما تريد المواعيد :
نشيد الجســـــــد ...!!
أواخر غشت 2008
[/size][/size][/color]
الرئيسية 
