مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 إدانة انزعات الفردية، والاحتجاج على الواقع الدجزء (2)

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ركاطة حميد




عدد المساهمات : 23
تاريخ التسجيل : 11/02/2008

إدانة انزعات الفردية، والاحتجاج على الواقع  الدجزء (2) Empty
مُساهمةموضوع: إدانة انزعات الفردية، والاحتجاج على الواقع الدجزء (2)   إدانة انزعات الفردية، والاحتجاج على الواقع  الدجزء (2) Empty29/9/2008, 18:04

[إدانة النزعات الفردية، والاحتجاج على الواقع
"عندما يطير الفلاسفة" نموذجا ..( تتمة)


إن رصد الحالة النفسية للشخوص الذين استبدد بهم الخوف، في مقابل شخص متفرد وعجيب، كان بصعوبة .. يشق طريقه وسط الأجساد والأمتعة المكومة التي جاءت تزاحمه في جولته الليلية المعتادة ص (30)، وكأنه يعيش معزولا عن عالمهم وليس له قاسم مشترك معهم، همه الوحيد هو البحث عن متعة النفس، وممارسة طقوس معتادة، وقد سبب له اكتظاظ الشارع بالناس على غير العادة، أرقا، وقلقا، وضاقت به المدينة، معتبرا أنها "صارت .. ملكا مشاعا لكل من هب ودب" ص (30).
إن الصورة التي رسماها الأستاذ محمد أيت حنا لبطله في هذا النص تحيلنا بشكل كبير على قصة "سرفانتس وبطله دون كيشوت" الحالم الذي يعيش في عالمه الخاص وفي صراع مستمر مع طواحين الهواء. فمالك المدينة، هو الآخر إنسان حالم، ويعيش في عالم عجيب، يحلق على هواه، تحليق الفلاسفة لحظة تأملهم في عوالمهم الخاصة، ولا يستطيع الارتقاء إليها سوى إنسان متفرد، ومتميز.
وقد شكلت الشخصية المحورية في هذا النص تقاطعا منطقيا مع شخصية النص السابق "أخلاق الكلاب" في اختلاف نظرتها إلى الواقع والأشياء والأمور، وفي تفسيرها للظواهر، وحقيقتها، مما يجعلنا أمام نماذج متميزة تعيش على الهامش.
النص الثالث : "متر على مترين"
تحكي القصة عن الحديقة التي أنشأها البطل، ومساحتها مترين مربعين، وتعرض بسببها للسجن بتهمة الاستغلال الغير القانوني للملك العمومي، وتسببت للسكان في كثير من المتاعب والقلاقل.
وقد يبدو الخبر، أمر عادي، لكن أبعاده ودلالاته العميقة تحيلنا على النبش أكثر بين حيثيات النص لوضع القارئ في صلب الموضوع وقريبا من الفكرة الأساسية. لعله يمكننا الاستهانة والاستغراب من قيمة مساحة صغيرة داخل مدينة كبيرة، غزا الإسمنت كل أراضيها وولها إلى مكان موحش، وفاقد لكل جمالية ومسحة طبيعية، تحولت إلى أرض شاحبة كوجوه أهاليها، ممتقعة، وغير جذابة، لا أثر بها للخضرة، هي الدافع الذي حدا ببل النص إلى اقتطاع تلك المساحة عنوة، وتحويلها إلى مجال أخضر، في إشارة إلى غياب المساحات الخضراء، وقلتها بالمدينة، ولم يكن إصراره "على إنشاء حديقة" ص(49) اعتباطيا، أو مجرد فكرة أنانية من خلال إعلان رغبته عن تأثيثها "هنا ستكون زهور الياسمين، وهناك شجرة الصبار … وأبعد قليلا أصص الفل والعرود … وفي الوسط شجرة لوز عظيمة" ص(49)، لكن السخرية التي قوبلت بها الفكرة من طرف السارد، كانت تحمل أبعادا أخرى، ودلالات يحكمها المنطق، "مضى العم في مشروع حديقته غير آبه بنظرة مشفق أو لائم" ص(50) تحمل في طياتها ازدراء كبيرا، ومقتا من تصرفات العم "فوجئنا في فصل الربيع بتقاطر أفواج الطيور على الحي ... ربما كل أشكال طيور العالم كانت حاضرة" ص(50) أو "ادعى بعضهم أن تلك الطيور لم يعد موجودا منذ عهد سيدنا سليمان" ص(50)، وهو احتقار ضمني للعم في شكل احتقار للنفس "أبصارنا هي التي لم تتعود النظر إلى الأعلى" ص (50)، وقد وصل الأمر إلى جعل الحديقة محط تنكيث "حتى أن بعضهم قد زعم أنه رأى أرانب تعدو في الحديقة" ص(50) وتضخيم للحدث "ثم بدأ الوافدون يتقاطرون علينا من حدب وصوب، وكلهم مأخوذون بجمال وبهاء حديقتنا" ص(50).
لقد تم بناء الحدث بإيقاع سريع، لا يعاله إلى ذروته تبعا لرسم صورة ضخمة له وإعطائه هالة أكبر من الواقع في محاولة للعصف به بشكل سريع كذلك "وكان علينا أن نشهد في الأسبوع الرابع تجربة خطيرة" ص(50) وهي محاولة لخلق مزيد من التشويق لدى القارئ، وقف السكان على الأبواب، وفي شرفاتهم وهللوا كثيرا لشاحنة الأزبال وهي تبحر سحابة حينا الذي بدا أوسع بكثير ص(50).
ولعل هذا الإشارة تبين مدى تضايق السكان كثيرا من الحديقة التي عرقلت حركة سير الشاحنة داخل الزقاق الضيق، منتظرين اكتساحها لها، وسحقها تحت عجلاتها وهو أمر لم يحدث، مما حدا بتدخل مساعد السلطة "علال المقدم" ليفجر القضية التي انتهت بتدخل رجال السلطة الذين اقتادوا العم إلى السجن، وفتحوا تحقيقا في الموضوع، وتسبب في كثير من المشاكل لسكان الحي.
إن قصة متر على مترين، تنتقد بشكل كبير، وتفضح كيفية تعامل السلطات مع القضايا التافهة، في مقابل صمتها على القضايا الكبرى، والمتجلية في الترامي على أراضى كبيرة من طرف من يتمتعون بالحصانة البرلمانية، أو سلطات كبرى، وهو ما أشار إليه السارد بقوله "فإننا ما نزال نعلم أن هناك أراض أخرى تنتظر أكف العم، تحت سماوات أخرى لا يعلمها المقدم، وتضج بأسراب من الطيور الجميلة والمختلفة" ص(51)، أما التفسير الحقيقي لقولة السارد فيتجه بنا إلى واقع أكثر مرارة، ما ينتظر العم من تعنيف وتنكيل على أيد رجال السلطة في معاقل التعذيب وسراديبها الأرضية على أيدي رجال لا يعرفون الرحمة ولا الشفقة، وهو ما يبين تفاهة منطق القوة والسلطة في الكثير من القضايا التافهة مقابل تغاضيه وتواطئه المطلق مع غيرها جد حساسة.
إنها حالة للفرد المختلف والغريب في عالم غامض، وفي مواجهة مع الجماعة، وجموحه نحو الاستئثار بشيء في ملكية الجميع، بإباحته لنفسه لتنفيذ حلم/مشروع/ أو فكرة لعينة جرت عليه مشاكل هو في غنى عنها، وتسبب في إيذاء آخرين كانت تهمتهم وجريمتهم هو عدم التبليغ أو التغرج. وتحملوا تبعات أفكاره "الغريبة" وحققوا مع سكان الحي بتهمة التطرف في الحلم ص(51)، أما مصير الحديقة فقد كان الإغلاق والمنع "ثم أغلقت الحديقة ووضعت عليها لافتة تحذر من الاقتراب" ص(51)، وكأننا إزاء موقع جريمة، أو منطقة ضبطت فيها أشياء ممنوعة التداول أو محظورة بقرار رسمي. كما أن الحي صار أكثر وحشة و"مساحته تضاءلت بشكل لا يسمح بمرور شخصين في وقت واحد، ثم ازدادت تضاؤلا حتى لم يعد في وسع أي شخص أن يمر فيها، فاضطر السكان إلى لزوم بيوتهم … ص (57).
إن نهاية القصة موحية بشكل كبير إلى تصد السكان لقرار المنع، واستمرارهم بعد تجربة "العم" في إنشاء حدائق أخرى شبيهة بحديقته، مما أدى إلى تقلص مساحة الزقاق كرد فعل منهم، على غياب المساحات الخضراء بالمدينة… إنه تفسير بضد الأشياء لا يمنطقها ما دامت محاولة العم قوبلت بالقمع ولا يزال قابعا "تحت سماوات أخرى لا يعلمها المقدم، وتضج بأسراب من الطيور الجميلة".
لقد استطاع القاص محمد أيت حنا النفاد إلى أعماق نفسية بطل القصة، ونفض الغبار عن مأساة قاتمة تعاني منها أغلب المدن التي أضحت خالية من كل مسحة جمال طبيعي، مشيرا إلى تخلف العقلية الماسكة بزمام الأمور في تسيير مجالس المدن.
إن ما يميز الكتابة القصصية عند الأستاذ أيت حنا، هي الإدانة الكبيرة للنزعة الفردية، من خلال الاحتجاج على الواقع، وانتقاده، وتعرية زيفة من خلال رسم صورة مصغرة، لكنها حقيقية لنفسية أبطال قصصه، وهي صورة يمكن تعميمها بشكل أوسع على نماذج كثيرة، ولكتابته ميزات خاصة تتجلى في سلاسة اللغة، وعمق المضامين المعبرة عن المعاناة والنظرة الواقعية للأشياء، كما لها سمات جمالية متنوعة أثثت مختلف فضاءات النصوص، بانتقادات وأراء اعتمدت على مبدأ الخدية في النظرة أو التعبير عن الحقيقة، كشفت أنانية الإنسان، وخبثه، ونبله في مواجهة العديد من المواقف، كما أبرزت سلبيته ونكوصه،، ونزوعه لأبسط الحلول باستعمال العنف تارة والجزر أخرى، أو اتخاذ الحياد في مواقف أخرى، كما أبرزت بعد الإنسان عن واقع وسطه، وسوء تواصله.. لقد أبرزت الصورة الحقيقية والبشعة للإنسان إزاء المواقف الحساسة والخاصة كالاضطهاد، والقهر، الجوع، العطش، الكذب، السلطة، وهي أفكار تم التعبير عنها من خلال تقابلات غير متكافئة لكن هدفها كان واحد هو تسليط القهر على الآخر.
وتمتاز النصوص، بحبكة قصصية جميلة، واستعراض العديد من المواقف ثم اعتمادها للتعبير عن مختلف القضايا التي اتخذت طابعا واقعيا واجتماعيا، منه انطلقت ومن خلاله انتقدت مأساويته بكل ثقة.
كما تم بناء أغلب المتون القصصية انطلاقا من المزج بين الواقع والخيال، وفق تركيبة أساسها المجتمع لكل أزماته، وتطلعاته ضمن قضايا ذات طابع شمولي كالزلزال/الكسوف/السلطة/الموت/الخيانة/الاغتراب/ الإيديولوجية الدينية/الجهل/الاستخفاف بالآخرين (وسئل الإعلام) إضافة إلى إحساس الشخوص بالشعور ب : اليأس/ الضياع/والتيه/والضيق/والخوف/والحب/والخيانة/الرهبة/والظلم …
قدمت نصوص هذه المجموعة نوعا من الاحتجاج يتجاوز الكائن في واقعه إلى عذاب الإنسان الكبير والمستمر في إطار أعم وشمولي كما تنتقد، وتدين غياب الوعي، والتهور في ركوب أهوال المغامرة.
كما تمتاز كتابته بالالتزام بصيرورة الأحداث والوصف للمحيط والشخوص، وتنظيم الحدث الحكائي المحوري وتفضح بأسلوب ساخر، مواطن التخلف، وتستقطب الواقع بشكل أكثر إيحاءا …
ولا بد من كلمة أو إشارة أخيرة وهي شهادة في حق النصوص المنتقاة للدراسة، بحيث تجلى لنا بالملموس، تقاسم أبطالها في تجرعهم لمعاناة الحياة اليومية، وضيقهم من نمطية حياة الجماعة، وجنوحهم نحو اعتناق أفكارهم الخاصة، وتطبيقها على أرض الواقع، ونظرا لابتعادها عن منطق تفكير الجماعة فقد اعتبرت شادة وغريبة ولا تمت للواقع بأية صلة، مما يجعلها أكثر ارتباطا بعتبة المجموعة "التحليق أو الطيران" كما أن أبطال هذه النصوص في غرابة أساليبهم ومنطقهم أخذوا صفة "الفلاسفة" لكن بشكل قدحي، وبعيدين كل البعد عنهم، مما يجعلنا إزاء عنوان ساخر بكل المقاييس، يفسر الأشياء بأضدادها لا بمنطقها البسيط، وهذه إشارة تحذيرية كانت منذ البداية تحيلنا على الدهشة والغرابة، والسخرية في نفس الوقت.


ركاطة حميد
خنيفرة في 2008.04.10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فتحية الهاشمي
الادارة و التنسيق
فتحية الهاشمي


عدد المساهمات : 1899
تاريخ التسجيل : 23/01/2008

إدانة انزعات الفردية، والاحتجاج على الواقع  الدجزء (2) Empty
مُساهمةموضوع: رد   إدانة انزعات الفردية، والاحتجاج على الواقع  الدجزء (2) Empty8/10/2008, 15:09

كم نحن بحاجة لهكذا تناول للنصوص حتى لا تبقى متراكمة دون توجيه أو رعاية

النقد هو الحافز الأكبر للابداع ، بدونه تصبح النصوص بلا راع و ر يمكن أن تتطور أبدا

شكرا أخي حميد نتمتى أن يطلع كل الاخوة على هكذا نص و أن يزوروا هذا الركن flower flower flower
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إدانة انزعات الفردية، والاحتجاج على الواقع الدجزء (2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» إدانة النزعات الفردية، والاحتجاج على الواقع
» الفلسفة و الواقع
» اتحاد كتاب المغرب :إدانة واعلان نتائج
» ألوان الواقع الإبداعي والواقع المعاش

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات نقدية :: مدار النقد-
انتقل الى: