الجموع الهادرة التي كانت تخرج للتظاهر ، محتجة على الرسوم الكاريكاتورية للرسول الكريم ، كانت تثير تعاطفي و تفهمي ، لكني كنت انظر اليها بتحفظ من منطلق عقلي ، لسبب واضح : و هو ان الاحتجاج على فنان تافه بهذا الشكل الجماهيري الكبير ، يمكن ان يرفعه رغما عن ارادة المحتجين الى مصاف الفنانين التاريخيين ، و بعد مرور الازمة الاولى
و تكرار نشر الرسوم اكثر من مرة لغرض في نفس يعقوب ، نجد انفسنا فعلا ، امام حقيقة عجز الاحتجاجات و اساليب المقاومة الشعبية و الحكومية ، للتاثير على قرار رئيس تحرير صغير لجريدة ، في بلد حر ، لم يكن لها ان تحقق ما حققته من نتائج ايديولوجية ، لولا اصرارنا على رفع حالة نشر رسم عابر يفتقر لادنى المقومات الجمالية للفن الكاريكاتوري ، الى مستوى قضية دولية و حضارية .
لنكن صرحاء ، جرائد الغرب تنشر يوميا مئات الرسوم الكاريكاتورية للمسيح ، لكن ، ما يجعلنا نتحسس من سابقة كهذه ، تخص رسم رسولنا الكريم ، هو الاتجاه العام الذي تسير فيه عملية التشكيل الفني و الايديولوجي لصورة العربي و المسلم في الغرب . لم يكن الفنان المغمور كورت فيستر جارد يرسم وجه الرسول ، و انما كان يرسم صورة المسلم عموما ، و هذا ما يخرج ابداعاته من دائرة التعبير الحر ، و يدخلها عبر البوابة الملكية ، لايديولوجيا الحقد الثقافي و كراهية المسلمين .
و هذا ما عبرت عنه السيدة وفاء سلطان في حديثها الاخير عبر قناة الجزيرة ، حيث كنا ننتظر من منطلق الانفتاح الثقافي
الذي تدعيه ، ان تقدم نقدا ، و حق النقد مقدس ، لظواهر العداء الثقافي و رفض الاختلاف الذي ينمو بشكل سرطاني و مهدد هنا و هناك ،كنا ننتظر حتى و هي تدافع عن الرسوم ، ان تقول بانها ضد التعميمات الارهابية التي شكلتها فتاوى القتل و اراقة الدماء ، تماما كما هي ضد التعميمات الارهابية التي يمارسها الفنانون و رجال السياسة في الغرب . لكني للاسف
صدمت حين ابانت عن جهل منهجي و حقد ثقافي واضح، فوقعت خطابا يعيد انتاج المقولات الاساسية للقاعدة .
لقد حاول الغرب اقناعنا عبر اصواته و لغته ، بوجود هوة ثقافية بين المسلم و الاوربي ، و هذا خطاب تروجه اغلب
حركات اليمين الاوربية ، بل نراه حاضرا ، و هذه هي الكارثة حتى في الدراسات التحليلية لباحثين يحسبون انفسهم على
اليسار المتحرر ، بينما يتضح يوما بعد يوم ، بان الصراع المزعوم لا وجود له بهذا الشكل الثنائي ، لان ما يجمع الفكر الغربي و الفكر الارهابي القاعدي هو وحدة عضوية في المنطلقات و النتائج .
فالقاعدة تتحدث عن الاخر بوصفه هوية دينية ضالة ، نصارى و كفار ، و وفاء سلطان تتحدث عنا بوصفنا مسلمين متخلفين ، القاعدة لا تميز بين الانسان كقيمة يتعين احترامها فوق كل اعتبار ، و ثقافته التي لا يمكن الا ان نربط علاقة تعارفية و تواصلية معها ، و وفاء سلطان لا ترى ، حسب كلامها ، في كل الامة مسلما واحد يستحق الاحترام ، القاعدة لا تميز بين الاسلام و قراءاتنا للنص الديني ، فتجعل من التاويل و القراءة الاسلام نفسه ، و وفاء سلطان تعيد تأكيد هذا المنطلق القاعدي بحذافيره ، بل تحاسب مليار مسلم على قراءاتها الخاصة لما تعتبره اسلاما ..القاعدة تقرأ ايات و أحاديث الجهاد و السيف ، خارج سياقها الزمني ، فتمنحها صلاحية مطلقة بغض النظر عن التاريخ ، و السيدة وفاء المثقفة باطلا و بهتانا ، تتبجح بانها لا تستطيع احترام الرسول عليه السلام ، مستشهدة لتبرير ذلك بحديث تستعمله خارج دلالته التاريخية .
لقد تحدثت وفاء بما لا يدع مجالا للشك ببلاغة فقهاء طالبان ، واكاد اقسم ، لو كان الاسلام رجلا لما ترددت في اطلاق النارعليه .
فمن ينكر بعد هذا انتماء وفاء للقاعدة ؟