أرخت جسدها المكدود على أريكة في مقصورة القطار، وأخذت أنفاسها تتلاحق. لاشك أنها كانت تركض كي تدركه في محطة بنكرير .
اتكأت وأنفاسها لاتزال تتصاعد في صخب وتتباطأ إلى أن ولجت الراحة صدرها الذي كانت تضع عليه يدها، وكأنها تريد أن تبطيء من دقات قلبها المتسارعة، نظرت إلي ثم ابتسمت، أجبتها بأخرى خاطفة، ثم وجهت نظري إلى زجاج النافدة، في محاولة مني للفرار من نظراتها.
رمقتها بطرفي وهي تلتفت إلى ذلك الجسد الذكوري المكوم بقربها، المطبق الجفنين، المسافر في غياهب نوم ثقيل.
رمقتها أيضا وهي تفتح فاها تثاؤبا، وكأنما نقل إليها ذلك الجسد خذر النوم.
رمقتها أيضا وجفناها يتثاقلان إلى أن اصطادها النوم، فراحت رأسها ترتخي رويدا على عنقها الأبيض.
أرسلت نظراتي تتفحصه:
شاب في مقتبل العمر، أسمر البشرة، حليق الوجه، هادي التقاسيم...
حولت نظراتي إليها:
بشرة بيضاء ناصعة، شفتان ورديتان، أنف دقيق متعب، وعنـق مرمري ملـقى علــيه رأس مستديرة، وعلى العنق تترامى بعشوائية خصلات سوداء.
ثلاثتنا نحتل بأجسادنا التعبة هذه المقصورة التـي تحمـل الرقـم 3، ورغـم التعـب الـذي يـتمـلكني أحاول أن أبقى مستيقظا، أما الجسدان قبالتي فقد راحا ينتشيان في عالم الأحلام.
غمغم بكلمات مبهمة واستدار نحو اليسار مغمضا جفنيه، ورمى بيده اليمنى لتستقر بهدوء ودعة على خصرها.
عضضت على شفتي السفلى وأنا أتخيلها تستيقظ الآن في هذه اللحظة وتجد يده ـ متعمدة أو غير متعمدة ـ مستقرة هناك.
حركت قدميها فيما فررت أنا بنظراتي نحو زجاج النافذة، ثـم تــثاءبت وهـي تـدير عـنقها يمينــا وترمي بيدها اليسرى على عنقه معدلة وضع نومها على جانبها الأيمن.
رمقته بطرفي يعدل من وضع نومه على جنبه الأيسر، رأساهما سقطت إحداهما على الأخرى، أنفاسهما ولاشك اقتربت، اختلطت وانصهرت..
انبعث الصوت فجأة عبر أرجاء المقصورة يردد: محطة الدار البيضاء المسافرين نهـاية السير..
التصقت شفتاهما بغتـة بفعل الـمفـاجأة، وفتح كل منهما جفنا واحدا بتكاسل وهو يستطعم ما تذوقت شفتاه، لتتسع عيناهما ذهولا وقد وجد كل منهما نفسه فـي حضن الآخر. توردت وجنـتاها وقد ارتسمت على تقاسيمها نظرة تحمل شيئا من الغضب و من الخجل الشيء الكثير، أطرقت بعينيها لتستقرا على تموضـع يده، انتبـه إلى ذلك فـخطـف يده بــسرعة عـن خـصرها وهـو يـغمــغم بعبارات اعتذار ممزوجة بالأسف و...
أما أنا فكنت قد ترجلت في المحطة السابقة.