مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قراءة في المجموعة القصصية لنجاة بوتقبوت(تجليات انثى)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد داني
مشرف



عدد المساهمات : 56
تاريخ التسجيل : 20/11/2009
الموقع : daniibdae.blogspot.com

قراءة في المجموعة القصصية لنجاة بوتقبوت(تجليات انثى) Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في المجموعة القصصية لنجاة بوتقبوت(تجليات انثى)   قراءة في المجموعة القصصية لنجاة بوتقبوت(تجليات انثى) Empty12/10/2010, 12:24

عالم عياني.. مليء بالصراع والمتناقضات...
المناظر فيه مغلفة بورق السولوفان.. لا تحجب شيئا...
في هذا العالم ، نكتشف الذات ، وحيرتها.. الذات وتوترها... وبالتالي نجدنا وجها لوجه.. مع ذات التوتر.. لما تحمله النصوص القصصية من شعور بالغبن، والتهميش، والدونية... والقهر...
إنه إحساس ...بأن الذات في مرتبة التابع.. وفي مقام المريد... فهلل هو شعور بالسلبية والنقص؟...
هل هو نوع من الفشل ن تستشعره الذات أمام هذا العالم البراني، التنوع الوجوه، والشخوص؟...
ويتحول هذا القلق، وهذا الشعور بالنقص، والدونية إلى رغبة في التفريغ، والتنفيس عبر الكتابة.. وتطويع الحرف، والكلمة... وذلك من أجل : "استنطاق الذات وتاريخها، وأحلامها ونزواتها، واستيهاماتها من غير دثار ولا غلائل رومانسية" ...
وبذلك تفتح جبهات ، يتحد فيها الحكي ، والتأمل ، والتداعي، والبوح، والسرد، والوصف، منطلقات نحو تعرية الذات.. ومكاشفة النفس...
هكذا تأخذ القاصة الأديبة (نجاة أحمد بوتقبوت) من الأنثى ، وهمومها، وهواجسها ، أداة لطرح مجموعة من التجليات، والتي تطرح من خلالها الغربة الجوانية للذات.
إنها ترفض الصيغة الوجودية التي تحياها الأنثى في هذا المجتمع الذكوري، الذي لا ينظر إليها، إلا نظرته لجسد، وشبقياته...
إنها ترفض أن ينظر إلى الأنثى كأنثى ذات فكر متعطل.. إنه توجه منها كأنثى مثقفة رافض لكل تهميش، وإقصاء.. ولكل نظرة دونية:"وينجم من هذا التوجيه لهوية الذات نوع من العصاب الثقافي الذي يمتلك الذات اتجاه العالم الطبيعي. مما يحدث شرخا سيكولوجيا في لا وعيها بترجمة فعل الاضطراب كسمة ملازمة لهويتها" ...
هذا ما دفع الأديبة بوتقبوت إلى جمع هذه الرؤية إلى الذات ، في (تجليات أنثى).. حيث أسست فيها رؤيتها للوضع الوجودي للأنثى في مجتمع شرقي، شهرياري الميول والنزعة...
وبالتالي أصبحت (تجليات أنثى)، رؤية عميقة، تعكس التعارض الصارخ ما بين الذات والوجود...وإحساسها أن وجودها في فضاء مكاني يخضع لزمان دينامي، يعاني الرفض.. والقمع.. والاستعباد.. والهيمنة... والإذلال...
إن (تجليات أنثى)، تصبح نوعا من كرونوطوب الأزمة... وكرونوطوب الإحساس بالغبن... ومن ثم الشخصية الرئيسية في (تجليات أنثى)، وهي الأنثى/ المرأة... تصارع لتكون ذاتا مستقلة.. حرة... ومتحررة .. وملفتة إليها الانتباه...
إن حركات الأنثى في (تجليات أنثى)، حركات وجودية.. تحارب السحق.. وتقاوم الهدم.. وتحاول التأسيس لرؤية جديدة...
ولذا يصبح همها نوعا من الكوجيطو الوجودي(أنا أتحرك ..أنا أقاوم.. أنا أرفض.. أنا أدين.. إذن أنا موجودة)...
إنها تتحرك في كل الاتجاهات لإزالة قناعة ذكورية ، تنبني على الإيمان بفضاء الكائن والموجود... ومحوها ...وإقامة نظرة بديلة، تتأسس على (فضاء الوجوب Espace déontique)، والذي:"يملي على الذات الأدوار التي يجب عليها أن تتقمصها في الزمان والمكان" ...
فمن خلال صوت الساردة.. تريد ترسيخ صورة الأنثى النصف الحي في المجتمع.. والمساهم في التنمية ، والوجود...
و ما إن نقف أمام صرختها ، حتى يصدمنا العنوان(تجليات أنثى).. وما يحمله من دهشة، وإدهاش.. وما ينطوي عليه من غرائبية... الشيء الذي يجعلنا نتساءل :
- ما هي هذه التجليات؟...
- الأنثى لا تتجلى إلا أنثى..فه هناك تجليات أخرى، تريد الكاتبة إيصالها إلينا كمتلقين؟...
هذه الإثارة التي يخلقها العنوان فينا.. هي مقصودة من الأديبة نجاة احمد بوتقبوت.. ما دامت تعرف ، وتعي أن العنوان يمكن أن يخرق انتظارات القارئ/ المتلقي، وتوقعاته... ويحفزه لاكتشاف عوالم النص...
- عتبات النص السردي:
1- الغلاف: تتداخل في تكوينه مجموعة من العوامل، يشترك فيها كل من الناشر والكاتبة... حيث يمتاز الكتاب بطباعة أنيقة، وإخراج ممتاز.. وهو من الحجم المتوسط، مقاس 14x21.. وكل هذه العوامل ساهمت في جمالية الشكل...
يوجد في أعلى الغلاف يمينا ، اسم المؤلفة باللون الأسود.. وأسفله يتوسط الغلاف عنوان المجموعة باللون الأحمر(تجليات أنثى) شاغلا مساحة أكبر.. ثم يعقبه يمينا التحديد الأجناسي (مجموعة قصصية )باللون الأسود، ومقابلا له يسارا اسم المقدم(أ.د. محمد زكي العشماوي)...أما في الأسفل، فأثبت الشعار المميز لدار النشر: مكتبة الآداب...
- لوحة الغلاف: يتضمن الغلاف صورة فوتوغرافية مركبة، من تصميم الفنانة التشكيلية : شيرين بهجت.. وتشخص فتاة بلباس زفاف أبيض، ووراءها شلال أوزود... يغلب عليها اللون السماوي، المائل إلى الاخضرار..
- العنونة: - هل يمكن أن يكون العنوان ثريا النص؟..
- هل يمكن لكلمة أو جملة أن تختزل النص السردي كله؟.. وتكون له عنوانا؟..
- ما السحر العجيب الذي تمتلكه هذه الكلمات التي تجعل المتلقي ينجذب نحوها، ويفتح لها قلبه، وعقله، ونفسه؟...
- كيف جاءت عناوين الأديبة نجاة أحمد بوتقبوت؟..
يقول ابن سيدة: العُنوان والعِنوان: سمة الكتاب. وعنونه عنونة وعنوانا، وسمه بالعنوان.. وفي جبهته عنوان من كثرة السجود: أي أثره ..
وسمي بالعنوان لأنه يعلو النص.. وبهذا فهو لم يعد عنصرا تابعا. بل صار عنصرا بنائيا بعد أن أولته المنهجيات الحديثة، اهتمامها الكبير يوم حولته من عامل تفسير مهمته وضع المعنى أمام القارئ ، إلى مشروع للتأويل ..
إن العنوان بنية صغرى، وأن "أحدا لن يستطيع الإفلات من إيحاءاته التي يولدها ن وعليه فإن العنوان لن يفهم منقطعا عن نصه، ولا تدرك إشاراته إلا عبر العلاقة بينهما" ...
وقد أولى علم العلامات (السيميولوجيا) أهمية كبرى للعنوان، إذ اعتبرته أساسيا في مقاربة النص الأدبي، وبوابة لدخول أغوار النص... واستنطاقه.. واعتبره روبرت شولز:"خالق النص الأدبي، ومانحه الهوية" ...
"إنه رسالة لغوية تعرف بتلك الهوية ، وتحدد مضمونها، وتجذب القارئ إليها، وتغريه بقراءتها ..."
إنه نص صغير يهدف إلى تحقق وظائف شكلية وجمالية، ودلالية، تعد مدخلا للنص.. إذن ، فهو علامة لغوية ذات دور علامي مهم بالنسبة للنص الذي يتصدره ..
وهذا العنوان يؤدي مجموعة من الوظائف ، والتي حددها ليو هوك في :
- تعيين النص.
- تحديد مضمونه.
- جذب الجمهور المستهدف.
ويتكون العنوان الرئيسي من جملة اسمية خبرية، مثبتة.. تتكون من مبتدأ محذوف تقديره (عنوان المجموعة)، وخبر ذلك المبتدأ، هوSad تجليات أنثى). وتعتبر نصوص المجموعة بكاملها خبرا لهذه الجملة العنوانية... وبالتالي قد ورد في شكل جملة بسيطة ، تتكون من محمول متأخر حالي واحد.. (تجليات أنثى)، وموضوع غائب.. ويعني أن القصص كلها بالمجموعة هي عبارة عن تجليات لهذه الأنثى الساردة، التي تستعرض هذه التجليات...
هكذا نرى أن الجملة العنوانية جملة خبرية ، ابتدائية مثبتة، لا يسبقها أي تأكيد، أو نفي، وهي تحمل معلومات خبرية تحمل الصدق والكذب، والشك واليقين.
إن هذه الأنثى ترى أن الجحيم هم الآخرون- كما يقول جان بول سارتر- وهؤلاء الآخرون: الرجل ... شهريار الجديد..
- عتبة المقدمة: تضمنت المجموعة القصصية تقديما غيريا بقلم الدكتور محمد زكي العشماوي، وهو نص استهلالي يصاحب النص ، ويؤطره، ضمن تداولية ثقافية مرجوة ..
وهي قراءه أولية لقصص المجموعة، مقدمة إلى القارئ الضمني.. تشهيه في نصوص المجموعة، وتفتح رغبته في الإبحار فيها... ومحاولة إقناعه بفنيتها...صورة مغايرة، هي نوع من التقييم القيمي للمجموعة.. وقراءة نقدية مبسطة، شارحة.... وتتكون من 82 سطرا..
- عتبة التصدير والاستشهاد: هو مصاحب نصي...يعرفه الأستاذ نبيل منصر ، بأنه:"فقرة لكاتب مشهور يستشهد به مؤلف ما لتوضيح قوله، وتعزيزه"
والتصدير الاستشهادي ، لا يخلو من هدفية، وقصدية.. إذ يجمع بين رغبة في القراءة والكتابة.. إنه:"يدير محرك آلة القراءة التي ينبغي ان تجهز العمل منذ أن يمثل للحضور، في استشهاد ما، نصان لا تكون بينهما تماثلا ولا حشوا" …أي إن النص الاستشهادي:"يحاول من جديد أن ينتج داخل الكتابة شغف القراءة. كما يحاول إيجاد اللحظي المشع للالتماس.. ذلك لأن القراءة الملتمسة والمثيرة، هي وحدها التي تنتج الاستشهاد" …
ومن ثمة نجد أن الغاية من الاستشهاد، هي:
- إنتاج شغف القراءة.
- إنتاج بهجتها.
- الرغبة في الكتابة، وإتقان الخطاب.
- توسيع الأفق الثقافي للقارئ.
- إعطاء تقدير للمؤلف.
- منح المؤلف القدرة على القول والكتابة.
- تصعيد حساسية القارئ.
- التعليق على عنوان القصة.
- تدعيم النص.
- تدقيق دلالة النص وتوضيحها.
- توفير كفالة نصية للنص السردي.
ونجد في المجموعة القصصية(تجليات أنثى) نوعا من التصدير، وهو تصدير استهلالي، وقد تصدرت به بعض القصص، وهو على الشكل التالي:


الجدول رقم:1 جدول التصديرات الاستشهادية في المجموعة القصصية
عنوان القصة عدد أسطر الاستشهاد صاحبه الصفحة المكان
إشراقة 3 أسطر كلينج 27


بداية القصة
لم يقل وداعا سطر واحد وليم فولكنر 35
إفضاء سطران أرسطو 39
رسالة امتنان سطران سيجاكي 47
لحظة انبعاث 3 اسطر كلينج 59
الزمن الحزين سطر واحد نيتشه 74

- العناوين داخل المجموعة: يمكن تقسيم العناوين الداخلية إلى قسمين:
- قسم يشتمل على العناوين المكونة من لفظة واحدة، هيSad طفولة- إشراقة- انتظار- إقصاء- أمل- موضة- معلمة).
- قسم يشتمل على العناوين المركبة من كلمتين، وهيSadلأني أنثى- جريمة مستعصية- أسير الشوق- مع النيل- واحات الكلمات- رسالة امتنان – محراب الروح- لحظة انبعاث- الزمن الحزين- ذبول النهاية).
- قسم يشتمل على عناوين مركبة من ثلاث كلمات، وهيSad مسلية لكن قاتلة- على بساط الخزامى- لم يقل وداعا- تباعا تذبل الوردات- الباحث عن الفرح- تعقل فوق العادة).
- قسم يشتمل على عنوان مركب من أربع كلمات، وهوSad شاذة في زمن بليد).


الفعل وحركته في سياقات المجموعة
الفعل ما دل على حدث خلال زمان متغير ، ومكان ثابت.. وهو عصب اللغة ومحركها... يعج بالأحداث والانفعالات.. والشحنات العاكسة للنفس الفاعلة.. ورؤيتها للواقع، وتفاعلها معه...:"ومن هنا يخطئ كل من يعتبر الفعل مجرد لفظ كلامي مبني أو معرب ، فهو حالة ، واقعة، وكائن مادي له معاييره المختلفة، والمتصلة في ذهن الكاتب ، وبالتالي متصل بالصيرورة التي يأمل تحقيقها في الواقع المعيش. وأخيرا هو الجسر الأقوى بين المبدع والمتلقي " ..
والفعل وظفته الكاتبة نجاة أحمد بوتقبوت هنا عن قصدية في سياقات قصصها القصيرة، وليس بعفوية، وتجريدية.. لأنها تروم من هذا التوظيف التسويغ، والتبيين، والتظهير:"حيث يشكل الفعل في دواخل القص الفني نظاما دقيقا لكل شيء من أشكال الاتفاقات المبرمة بين القاص ودواخله من جهة، وبينه وبين المحيط الخارجي من جهة أخرى" ...
وفي المجموعة القصصية (تجليات أنثى)ن والمتكونة من 24 نصا قصصيا، تتفاوت طولا وقصرا.. فإن اثني عشر نصا منها بدأت بالفعل الماضي.. وهيSad لأني أنثى- جريمة مستعصية- مسلية لكن قاتلة- مع النيل- على بساط الخزامى- إقصاء- رسالة امتنان- لحظة انبعاث- الباحث عن الفرح- معلمة- تعقل فوق العادة- الزمن الحزين)...
وقد تكرر الفعل الماضي في المجموعة القصصية بكاملها 628 فعلا ماضيا حقيقيا، بالإضافة إلى 39 فعلا مضارعا مجزوما، منفيا ، مقلوب الزمن من الحاضر إلى الماضي لأنه مسبوق ب(لم)...أي أنه مضارع في صياغته وبناه ، لكن ماض في معناه ودلالته.. وبالتالي نحصل على 667 فعلا ماضيا، بنسبة 52.64%...
أما الأفعال المضارعة، فعددها في المجموعة القصصية 584 فعلا مضارعا، وبنسبة 46.09%.. أما الفعل الأمر فقد تكرر في المجموعة بكاملها 16 مرة، وبنسبة 1.26%... أي أن مجموع الأفعال الموظفة في المجموعة (تجليات أنثى) بلغ 1267 فعلا...
ومعظم الأفعال الماضية الموظفة، هي أفعال تقريرية، مثل (وجد- ألقى- أيقن- تناسى- التقى- بقي- علم- أدرك...)...والتي يمكن تقسيمها إلى :
- أفعال اليقين .
- أفعال الشك.
- أفعال الصيرورة والتحويل.
- أفعال الاستمرار.
- أفعال الشروع...
وهذه الأفعال من خلالها صورت الكاتبة عالمها القصصي وأحداثه، ورؤاه.. وجعلت شخصيتها الساردة تتحرك في أي اتجاه.. تحكي لنا عن شواغلها.. وتبثنا بوحها.. وتصف لنا انطباعاتها...
فالأديبة بوتقبوت من خلال هذا الفعل الماضي ، أرادت أن تعطينا صورة للغربة التي تعيشها الشخصية الساردة، والصراع النفسي الذي ينتابها..وحالة القلق التي تنتابها، وتولد فيها نوعا من التوتر والاضطراب.. والحسرة..
لذا لم تجد أحسن من الفعل الماضي، لأن الأفعال الأخرى(المضارع والأمر)، ستجعل الحدث مرتهنا بمحيطه الخارجي، وما يمسه من تأويل.. وتفسير... وبالتالي تصبح اللحظة آنية مرتبطة بالراهن... وهذا ما لا تريده الكاتبة، لأنها جعلت شخصيتها الساردة في لحظة بوح.. وتداع... واستحضار لماض... ترى في الراهن نتائجه..
إنها تريد أن تعطينا صورة نفسية لإنسانة ترى المفارقات في حياتها.. ترفض هذه المتناقضات التي تنظر إليها كأنثى وجسد..
إنها تفتح لنا من خلال هذه الأفعال الماضية ، نافذة لندخل منها إلى جوانية نفس هذه الشخصية الساردة.. والوقوف على كثير من الجزئيات الصغيرة التي تطبع حياتها.
كما أن اعتماد الفعل الماضي في بداية القصة ، هي إعداد للقارئ/ المتقي لتلقي صور مسترجعة من زمن مضى... كما أنها أداة لنقله إلى حقب متباعدة، وبعيدة عن راهنه، الذي هو زمن القراءة...
إنه نوع من التداعي الذي يوضع فيه القارئ... ونوع من الدفع به إلى التذكر ، والاسترجاع، واستخدام الارتداد العميق... وربطه بالحاضر...أو تمثل ما سيقع في المستقبل... وما سينتج عنه من آثار... فالراهن والحاضر نتيجة... والتداعي والتذكر ، والاسترجاع : سببية.. أو على الأصح الوقوف على السببية.
فالأفعال الماضية الموظفة ، جاءت تعبيرا عن الذات الجوانية، وعن الحدث الذي تتضمنه هذه القصص المتوالية في المجموعة.. وبينت النفس المضطربة، القلقة...
والملاحظ أن هناك بعض الأفعال التي تكررت في المجموعة أكثر من مرة، ومنها:
- الفعل (أحس)، والذي تكرر في سياق المجموعة أربع مرات.
- الفعل (قرر) ، والذي تكرر خمس مرات.
- الفعل (أدرك/ علم)، والذي تكرر خمس عشرة مرة.
واختيار الكاتبة لهذه الأفعال (والتي تدل على الحس والعلم واليقين)، تجعل الزمن الماضي أمرا حتميا، يقينيا... وان نتائجه لا تدعو إلى الشك أو الريبة... وحضورها في أنساق جملية قصيرةSad- منذ أخبرتني أمي أني أنثى. أيقنت من نظرتها. أني لم أخلق عبثا في هذا الوجود. علمت أن لي ندا وضدا. وأن لي صديقا وعدوا. قررت أن أكون كما قالت أمي أنثى)...
( أدرك أن الأمر أعقد مما فهمته، فقررت ، وأقسمت أن لا أكون سوى أنا: أنثى).
هذه الجمل القصيرة ، أفعالها مقترنة بالفاعل الغائب، والذي عوضه الضمير(التاء المتحركة الدالة على المتكلم)، وهذا " أحدث توازنا نفسيا ، دفع الفعل الحاضر ، الماضي في اتجاه عكسي، تمم امتداد حركة الحدث، وهو يحمل في مضمونه شحنة انفعالات متدفقة،من زمن وطد مجالا أفقيا، امتد نحو الحاضر الذي يتولد من أردائه مستقبل الحدث" ..
وهذه الأفعال مجتمعة (أحس- قرر- أدرك- علم- أيقن-عرف- رأى) كلها تبين أن الانفعالات الجوانية التي كانت تعري عنها الشخصية الساردة، شكلت مرآة تعكس دواخل هذه الشخصية وما تحس به اتجاه هذا المحيط الذكوري.. وتقارب واقعها... ومن ثمة جاءت 141 فعلا ماضيا مقترنا بتاء المتحركة الخاصة بضمير المتكلم (تُ)... واستعمال هذا الضمير تبعت من المتكلم دليل على أن الذات الساردة تتكلم عن نفسها.. مما يجعل من هذه القصص تشكل اتحادا قصصيا ، يمنحها طابع الرواية، وأفقه.
وعندما نتمعن في هذا المقطع من قصة (رسالة امتنان) ص: 51، ( شئمت !! تعبت من مهب الريح. وشئت استراحة، انطلاقة، بل انتفاضة، فصرت على الشط جثة بلا اسم ولا هوية، ليس لي سوى الدمعة المالحة والليلة الكالحة)..
وكذلك المقطع الثاني من قصة( جريمة مستعصية)، ص: 14/15، (أخذت سيفي... عفوا قلمي... امتعضت قيلا. بدا على ملامحي شكل الجريمة مع سبق إصرار وترصد. تساءلت كيف أبدأ وقد تورطت وأعددت العدة.
بدأت الكتابة. تجمد الحبر، وتقوس الحرف، إذ التقى السائل بالجاف. حاولت الاستعانة بالممحاة فعقتني وهي ضاحكة)...
ما نلاحظ هو استعمال الفعل الماضي، وتواليه دونما رابط من الروابط.. وهذا الفصل الذي تعمدته الكاتبة، أعطى صورة عن وقع فكرة إخراج الأنثى من تلك النظرة الدونية، وما تسببه من قلق، وثقل على النفس...
ومن ثمة جاءت الجمل قصيرة( بدأت الكتابة- تجمد الحبر- تقوس الحرف..)... وهي جمل تعطينا صورة مشهدية لحالة الذات الساردة... وإحساسها بفقدان اطمئنانها.. ومدى عمق الهوة التي يولدها هذا الإحساس في هويتها، ومصيرها...
في المقطعين السابقين، نجد الكاتبة كررت الفعل الماضي (5 مرات في المقطع الأول،12 مرة في المقطع الثاني).. مقابل مرة واحدة للفعل المضارع(أبدأ). والرابط بين هذه الأفعال، واو العطف الذي تكرر في المقطع الثاني ثلاث مرات، والفاء مرة واحدة... وهذا يبين توالي درامية الحدث، وتصاعده.. وتراتبيته... فالواو أفادت التوالي، والفاء أفادت التراتبية والتصاعدية...
- أخذت سيفي.
- امتعضت قليلا.
- بدا على ملامحي شكل الجريمة.
- تساءلت كيف أبدأ.
- وقد تورطت.
- وأعددت العدة.
- بدأت الكتابة.
- تجمد الحبر.
- وتقوس الحرف.
- إذ التقى السائل بالجاف.
- حاولت الاستعانة بالممحاة.
- فعقتني وهي ضاحكة.
وهذه الأفعال تدل أنساقها عن تجاويف النفس وجوانيتها، وما يصاحبها من تغيرات وتحولات... ومظاهر، وحالات برانية تكون نتيجة لهذا الانفعال.. والتفاعل..
فكل جملة ، تعبر عن حالة انفعالية ، شعورية.. لها استرجاعاتها النفسية.. ولذا كانت أغلب القصص عبارة عن بوح، وتداع، واستدعاء لذكريات وخواطر.. وتعبير عن تأمل وحالات...لأن جوانية الذات وما يصطخب داخلها من قلق، وأفكار يتطلب هذا البوح.
وحضور الفعل الماضي، له علاقة قوية ، تبين قصدية الكاتبة في خلق حالة ترجيعية... وخلق حالة تذكر وما يرافقها من استحضار، وتداع، وبوح واسترجاع... واسترداد... لخلق الحالة السابقة وجعلها حاضرة.. وراهنة...
كما أن ضعف حضور افعل المضارع في المجموعة القصصية(تجليات أنثى) تبين أن الكاتبة بوتقبوت لا تهدف إلى حاضر أو مستقبل قصيري الدلالة.. ليس لهما قوة التذكير، والتحفيز على الاسترجاع، أو الارتداد...
وحضور الفعل الماضي القوي، لازمه حضور للضمير، الذي أصبح الحامل أو السند le palier للمجموعة القصصية كلها... وهو ضمير المتكلم. ومن ثمة جاء الفعل – كما أسلفت- مرتبطا بتاء المتحركة الخاصة بضمير المتكلم(141 مرة).. لتؤكد كلها حركة هاجس الانفعالات المتصارعة في جوانية النفس الساردة.
"فجاءت الأفعال بلواصقها ولواحقها، لتفرق التناول بإشباع تقني داخلي، وتألق ملفوظي إشاري خارجي، منح النص فرصة التحقق من مسار الأفعال المستقبلية، التي لم يخل النص منها، ليبعده عن تلغرافية الاستدعاء، وهامشية التداعي. فأدت مهمتها في تفجير ما يمكن تفجيره في جوانية الحدث، والفكرة" ...




التنوع الأجناسي ،وشعرية السرد
إن المجموعة القصصية (تجليات أنثى) ابتدأت بالحكي عن الأنثى ، وانتهت بالحكي عنها. وبانتهاء المجموعة بعنوان شامل تلخيصي (ذبول النهاية)، يكون رسم الاختتام من توقيع المبئر السير ذاتي... حيث نجد المجال يفسح للمحكي السيكولوجي.
فمع هذه الأنثى التي تتبعناها عبر مراحل،ومواقف، وقضايا، ومظاهر.. نقف للتأمل والتمعن...فنجد شريط عمرها ، وحياتها الطويل/ القصير يعكس انعكاسات وصور مقلوبة...( تأخذ المرآة ، ينعكس وجهها المرهق فوق الزجاج ، تتأمل في قسماتها، كأنها تتعرف على هذا الشبح من جديد)(ص:76).
( أرهقها ماء الحياة الذي سلبها الحياة مذ كانت وردة تعشقها العين)(ص:76)...
( لم تنعم بعد بفردوسها المهمش. تخرج لتلقى رفقاء دربها لتسترجع أنوثتها، وشبابها المسلوبين، إذ كذبت المرآة ، والمصباح...
لكن الرفاق أنكروها، قبلوا يدها وتبركوا بها، وطلبوا منها الدعاء لهم...أدركت أنها عجوز ، ولا مفر من آيات الدهر وصروفه. فلله ما أعطى ولله ما أخذ)..(ص: 78).
أمام هذه الصور المعكوسة، والتي يلعب فيها النفسي الدور الأساس، تلجأ الكاتبة بوتقبوت إلى لعبة الضمائر، حيث تنتقل من ضمير المتكلم إلى المخاطب والغائب... وهنا يسقط القناع.. حين نقف في نهاية المجموعة على أن رغم ثورة هذه الأنثى وإحساسها بظلم الرجل ، وشعورها بالغبن، والقلق... فإن الحياة تستمر ... والحياة تسير تباعا... وتخضع هذه الأنثى لحتميتها، وتستأنف طريقها...
إن الكاتبة بوتقبوت، رغم إثباتها أجناسية نصوصها على غلاف المجموعة (مجموعة قصصية)، إلا أنها تعرف أنها لا تقدم قصصا بالشكل المتوافق عليه... وبالطريقة التقليدية...
إنها تقدم مشروعا حكائيا... وطريقة في الحكي والسرد والكتابة... لا يخلو من تساؤل...
ومن هنا زاوجت اللغة الواصفة في كتابتها بين: الوصف، والاستعراض، والإيحاء، والتأمل، وتداعي الخواطر...
وهذا يبين أن الكاتبة كانت تراهن على توجيهية القراءة... وعلاقتها بالنص وجمالياته، وفنياته... ولذا لا نستغرب أن نجد في كتابتها همس غادة السمان، وبوح سميرة بنت الجزيرة العربية،ورؤية بهجة أدلبي المصري...
والسؤال: هل عمل الأديبة نجاة بوتقبوت عمل تجريبي؟...إن كان فأين تظهر تجريبيته؟...
صحيح أن (تجليات أنثى) عمل تجريبي بكل المقاييس... فاستراتيجيا الكتابة التي وضعتها الكاتبة، وسارت عليها ، تبين مدى انشغال الكاتبة باللغة، وتوجيهية القراءة، وجمالية النص أكثر من اهتمامها بتكنيك القصة القصيرة.
إنها استراتيجية نصية تعمد على الخرق: خرق المعايير الكتابية، والتقنية.. وبالتالي خرجت عن السرد القصصي التقليدي... فجاءت كتابتها سردا قصصيا لا يتضمن قصة.
لذا غابت في كتابتها القصة، ووحداتها (المكان والزمن والحدث) الثابتة... بالإضافة إلى الحبكة التي تتطلب عقدة وحلا، وصراعا بين الشخوص...
إنها كتابة تجريبية لأنها:"تنبذ قيم الخطية والتسلسل، والتماسك وفق منطق التعاقب بين البداية والوسط والنهاية" ... وتجعل من الذاكرة والاستذكار، والاسترجاع، أداة لمنطلقات الحكي...
والملفت للنظر عند قراءة هذه المجموعة القصصية (تجليات أنثى)، هو تمايز الكتابة ، وتداخلها في نفس الوقت...
هذا يطرح سؤالا متعدد الجوانب:
- ما الفرق بين الكتابة والقصة؟...
- أين تبدأ الكتابة وأين تقف؟...
- أين تبدأ القصة وأين تنتهي؟...
عندما نقرأ قصة (أسير الشوق) ص: 16، والتي تقول :
(حينما تحملين أمشاط أقلامك ، تتمدد بيننا صحاري مرعبة...
تدق أجراس الصمت في دهليزك: حان وقت العيادة !.
أعرف أنك بدأت الرحلة، ثم أنسحب بسلام...
تتغزلين، تمدحين، تصرخين، تصيرين بحارا يعمها المد والجزر بصخب. تبنين بعيدا عني عالمك الجميل...أكون معك جرة قلم، حبرا يلون بياض سطور سفرك، أكون قطرة في خضمك الرهيب...
ترحلين.. تتوهين...تتغربين...
وأبقى أسير الشوق في جنانك انتظر الإياب...
لأنك كما العادة...
في النهاية إلي ترجعين)....
أو قصتها (انتظار)ص: 31/32، التي تقول:
(أرتعد لانزياحاتك المجوسية فوق جداريات ركحي الطلل... أنزوي وكلي أمل، أخبئ بسمتي بوجل في فضاء من قريتي مقصي.
أتعلم شفرات الرعاة وألتقط صداها بين الجبال...
يغمرني الصدى، يلف كاهلي العطب...
اترنم حينما تخترقني آهاتك كالخناجر...
ألملم جراحاتي في عجل ثم أدوسك وأحشوك في أناي البعيدة...
أنصهر داخلك ولا أراني، أجعلك شاطئي ومرفئي، جحيمي وجنة خلدي.
أجعلك محرابا آوي إليه كلما كثرت زلاتي ومنه لا أحلم بالرجوع...
أرى عينيك تجعلني شفافة، تخترقني بلهفة تصنع مني دمى بأشكال غريبة.)...
عندما نتمعن في هذه النصوص ، نجد الكتابة تجنح صوب المزج بين لونين أجناسيين مختلفين: السرد والشعر...حيث تتداخل المحكيات والبلاغات les rhétoriques،والأساليب،والشعر، والنثر،والوصف والقول... فتصل القصة إلى درجة الصفر... كما في قصة (لحظة انبعاث)... حيث يبدأ السرد والحكي، ليتوقفا ويفسحان المجال للشعر... ثم تكون العودة للسرد لتختتم القصة به...
وهذا يخلق نوعا من الصراع المحوري بين تكوينات النسيج السردين فيتداخل الشعري بالنثري... صراع:"ثابت بين الوظيفة المرجعية بمهامها الاستدعائية، والتشخيصية والوظيفة الشعرية التي تثير الانتباه إلى شكل المرسلة نفسها" ...
وهذا ما يجعل الكتابة تمتاز بفسيفسائها، الذي يلعب فيها تناغم التمازج والتداخل بين أجناسية القول.. حيث يتجلى غزو الشعري للنثري... والذي يأخذ شكل النثيرة، أو شكل التأملات، والخاطرة... معتمدا على خاصية التكرار ن والتضاد، والسجع...
(اليوم نفسه حمل إلي الفعل والنقيض. فكانت البداية غير النهاية. صرخت ولم أعبأ قائلة: هات ما عندك من مكاييل بالرطل بالمد بالصاع كيليني.. هات ثم أعيدي إن شئت فانصفيني . هات ما شئت لا تهمليني. ذبحي.. كسري...عودي...شردي...براعم ثماري، بالفأس ، بالسيف، بالقنابل شقيني، إلا أن تقتلعيني ...الرحمة لا، الرأفة لا.. منك ما شئت زيديني.. ما عاد العاذل في ينبيني، ما عاد الجرح المتأصل في يقصيني...
بعد يوم
يعد عام
يعد ألف عام تغابيت.. ثم جئتيني...
أصلحا تطلبين يا دنيا؟...
أعدلا ترغبين؟..
يكفي ما رأيت منك.. فأقصيني أو وطنيني باللهفة، بالحرقة ارتويت حتى صدئ الدمع فوق الوجنتين...
من عتماتك سرقت حبرا فلونت عيوني، وطال الليل وفرحت بعيوني، فلها الفجر أتى، أخذ الظلام عيني ورحل ، وأجلت انتماءها إلى عيوني، وصدئ الدمع ثانية لكن بلا عيوني)...(ص: 59/60).
وهذا التكرار والتضاد والسجع، يوفر نوعا من الإيقاعية داخل بنية القصة..
كما أن استخدام علامات الترقيم، وتوظيفها في سياق المكتوب تجعل نصوصها تمتاز بشعريتها، وتنويعها الصوتي، وبنفسها الإيقاعي....وهذا يعكس حالة النفس المبدعة، وصورتها...
هذا التنوع الأجناسي في الكتابة القصصية عند الأديبة بوتقبوت،يبين تمردها على المعيارية، ورغبتها الحثيثة في مزج القوالب الجمالية، والتشكلات الأسلوبية.. ولكن داخل إطار قصصي لا يخرج عن الكتابة الفنية المنتظمة...
صحيح أن الكتابة في (تجليات أنثى) تؤطرها ساردة ، متعددة الأقنعة( أنا الكاتبة؟أنا الساردة؟ أنا الراوية؟أنا الشخصية المحورية؟)...
وضمن هذا التعدد ، تتمازج فضاءات الحكي، ضمن صوغ أسلوبي متنوع، ومتعدد... تتحرك فيه صيغ الضمائر هنا وهناك(المتكلم- المخاطب- الغائب)...
ومن هنا يتنوع الفضاء الذي تتحرك فيه هذه الساردة، ما بين أملاك ، وشاطئ، وجبل، ومنتزه، ومقهى، وما إلى ذلك من فضاءات... ولكل فضاء رمزيته، وأجواؤه، وخصوصياته...
(على شاطئ البحر جلست وحيدة تتأمل جمال الكون وروعة الفضاء الذي احتواها آنذاك...
أخذت تخط بأنملها فوق الرمال فكتبت رسالة بلا عنوان:
إلى وطني الذي نفاني، وقد جبلت حتى على غير أرضه أن أكون إليه منتمية...
عمت صباحا يا واديا أتقنت في قاعه إقامة تذكار لأروع حدث(...) لكن أنا ملك وخيمة، عبثا أسخر مني (...) بطول الأمل ضاق الخناق فشئت تملك شراع يصد الريح ويشل الرعد ويقتل زخات الدماء...فأهديتني شمعة، وعتمة ووردة وسكينا، قلما وممحاة...
(...) سئمت... تعبت من مهب الريح... وشئت استراحة ، انطلاقة، بل انتفاضة... فصرت على الشط جثة بلا اسم ولا هوية...
(...) لم تكمل الكتابة إذ تمدد البحر فمحا موجه كل ما خطت في لحظة...
أحست براحة كان البحر العظيم حمل عنها العبء وهو جدير بحفظ السر...ثم عادت إلى البيت وقد تعلمت من البحر كيف تمحو ما فات في دقيقة)(رسالة امتنان ،ص:47)...
بهذا التلفظ الذي تبوح به الشخصية الساردة، وهي تواجه البحر، ينشطر المحكي إلى عالمين:
عالم خارجي (المرئيات، والمسموعات، واصطخاب الموج، وهدير الرعد...)..
وعالم داخلي قوامه (البوح، والتداعي، والاستذكار، والاسترجاع، والهذيان)...ف(أنا الكاتبة؟..أنا الساردة؟..أنا الشخصية المحورية؟..هو؟..) تتحول إلى مرآة كبيرة تعكس اصطخابات النفس، وعلاتها.. وهواجسها، وتخميناتها، وصورها...وأمانيها... ومواقفها، وحالاتها..."إنها مرآة لسرد يعكس عنف الباطن وشراسة الدواخل ، وتصدعات اللاشعور" ...











حضور الرجل من خلال علاقة المرأة/ الرجل
إن المرأة/ الأنثى وهي تبدع ن تضع في حسبانها أنها تكتب لمتلق/ قارئ متنوع ومزدوج( ذكر وأنثى)... لكنها تكتب عن الأنثى في علاقتها بهذا الرجل... وعن نوع العلاقة التي تربطهما معا.. كما أنها تكتب عن القضايا التي تشغل بال المرأة اليوم... حضورها ، وقيمتها كأنثى في مجتمع ذكوري، يقدس الذكر، وينظر إلى الأنثى كذات ثانية... ناقصة... لا تربطه بها إلا علاقة الجسد والمتعة، واللذة...
هذا يجعلنا نبحث عن حضور الرجل في قصص هذه المجموعة، ونتبين نوعية هذا الحضور إن كان...
تطالعنا أول قصة في المجموعة وهي تحت عنوان (لأني أنثى)، تصدمنا الجملة (علمت أن لي ندا وضدا، وأن لي صديقا وعدوا...قررت أن أكون كما قالت أمي، أنثى)...
إن التنشئة الاجتماعية، والتربية هي التي تجعل من الأنثى أنثى داخل المجتمع.. وتجعلها تنظر إلى الجنس الآخر نظيرا مضادا.... يجب الاحتراز منه...إن (حمو) عند القبائل الأطلسية تعني زير نساء... ولذا تحذر الأنثى من اللعب مع الصبي الذكر، لان المجتمع النسائي ينظر إليه رجلا مصغرا...لا يخلو من شهوانية...وهذا ما نلمسه في قصة (طفولة)،ص:13(بوشاح أسود فوق عيني أتعثر باحثة عن يحيى وزينب، يتسللان كلما أمسكت بأحدهما.
كانت أم حماد فوق السطح تنشر الملابس، فانهمرت كما الرعد تنهر يحيى وتسميه (حمو)، وتنعتني أنا وزينب بشيء لم افهمه، وتبين أن زينب أيضا لم تفهم)...
وتزداد صدمتنا اتساعا ، عندما نرى أن علاقة المرأة/ الرجل لا ترقى إلى مستوى من التسامح والتعايش، والذوبان في الآخر.. ففي قصة (على بساط الخزامى)، نجد الأنثى الساردة تقيم محاكمة للرجل...تذكره فيها بالأيام الخوالي... حين كانا يقتعدان أحجارا على حافة الجبل.. لكن الغريب أنها تشبه هذه الحجارة التي يقتعدان عليها، بأرواحها المتكلسة، الجافة، الخالية من أي حياة...
وهنا يكون السؤال: لم هذا الإحساس ببرود هذه العلاقة بين المرأة والرجل؟...
بل تزداد دهشتنا حين نسمعها تحكي ، وتقولSadوحدنا كنا هناك نفسد هذا الجمال.. يجمعنا التنافر)...
وهنا يطرح سؤال آخر: لم هذه الأنثى تحس بكل هذا الضيم والغبن، وتتدفق مرارة؟...ما سبب فساد هذه العلاقة الإنسانية بينهما؟... هل فعلا يجمعهما التنافر؟..فلم كان اللقاء أصلا؟...
إن الشخصية الأنثى الساردة ، لا ترى في هذا الذكر / الرجل إلا سهوا ، ونفورا، وابتعادا ، وغيظا دافقا.. ودائما.. وامتناعا عن الرد والإجابة كلما كلمته... يرد بغيظ بأنها تفسد إلهامه...وتعكر صفوه...فهل الأنثى تفسد الإلهام؟.. ألم تبق مصدر وحي وإبداع؟...
فلا تجد إلا أن تركب أحلامها ، وتسافر عبر خيالها.. فتجد فيهما نفسها آمرة، ناهية... متحكمة في هذا الرجل(فأرحل بدوري عبر الخيال ، أركب ولا تراني صهوات الجياد، وأراني أميرة، يكون بيدك اللجام. وأنا لك آمرة.. فأرجع مرات لأتأكد أنك لا تزال فوق الصخرة بجنبي ، وأضحك من فرط فرحتي)...
هذا يدفعنا إلى التساؤل: ما هي الصورة التي تصور بها الكاتبة/ الساردة الرجل؟...على ماذا تنم هذه الصور؟...
عندما نقرا كل قصص المجموعة (تجليات أنثى)،نجد أنها تتضمن صورة لرجل يتصف بالبشاعة الخُلقية، وبالغلظة، والفجاجة،وعدم اللباقة...وعدم تقدير الآخر، والأنانية...أي أنه شخصية فصامية، مريضة لا تحب إلا نفسها، وتروم التملك والاستحواذ ، والاستعباد لأن ذلك متأصل في سريرته...فنجد من الأوصاف ما يجعل منه إنسانا آخر، والجدول التالي يبين ذلك:
الجدول رقم: 2 جدول الصور الخاصة بالرجل
القصة الصفحة صورة الرجل المتضمنة في القصة
لأني أنثى 9 ند المرأة- ضدها- صديقها- عدوها- غاصب- طامع- عدو
طفولة 13 حمو(زير نساء)- زميل- الطفل رجل صغير
مسلية لكن قاتلة 17 شريك- أرمل- مسن
على بساط الخزامى 22 روحه متكلسة- بلا حياة- ذو جسم محنط- صامت- يفسد جمال اللحظة والطبيعة- يجيب بغيظ- ساهيا أبدا- كثير التأمل والتيهان- يهدي كمن به مس- يتحول فرسا بجناحين- في فمه لجام- كثير السهو- سباح ماهر- يشبه الصخرة- فظ- صلب- قاس- يغيظ الجالس معه – لا يعتذر عن أفعاله المغضبة- يلبس زي قرد بليد- لا يتقن أدواره- مكروه من طرف جمهوره- يتقن كل الأدوار إلا دور الأسد- فرس يمتطى- أفعى تتراقص بخفة- صنم ممل- لا يعتذر.
انتظار 31 ذو انزياحات مجوسية- آهاته كالخناجر- تدوسه وتحشوه في أناها- شاطئها- مرفؤها- جحيمها- جنة خلدها- محراب تأوي إليه- يمل اللعب- رسام- يصنع منها قنابل.
واحات الكلمات 33 يعلن فتوحاته- يعايش آمالها- يشاركها البناء- يأتي صفر اليدين- لا تفهم مقولاته- في ثنايا روحه شوك
لم يقل وداعا 35 يحمل في طياته الفعل والنقيض- ينظر صورته المعكوسة- غائب عن الزمان- أفكاره في غفلة منه- في حيرة من أمره- لم يقدر على حملها بعيدا عنه- غائبا- لم يحترم البند-لم يقل لها وداعا- صار شبحا
إقصاء 39 يدوس اللحظات الجميلة- متكبر- يتناسى كل ما فات- مغرور- سيد يجحد النعم- كان سيدا أبدا- الأيام والفصول عنده متشابهة- كثير العيوب- تافه- مغبون- أحمق- ممتعض- يصرخ – كهل- متبرم- منسي- وحيد- مهجور- ينبس بشيء غير مفهوم- متطفل- تكسره أتفه اللمسات
شاذة في زمن بليد 42 زوج كما الصقر الجارح لا يهمه سوى إرضاء غروره ، والأكل من نفس الفريسة- نهم- لا يشبع ولا يرحم- تصرفاته سلبية
أمل 45 أنيس يملأ الدنيا دفئا وطمانينة
موضة 57 ذئب- يتجتر عشق الأحمر في الدم والشفاه- جرثومة القرن- ذئب تأنسن باسم الديمقراطية والحرية
الباحث عن الفرح 62 يبحث عن ذاته طويلا- يجرب الارتحال بعيدا دائما- تنتابه حالة التوهان- تغشاه آلام حادة- يهيم وحيدا على وجهه- يقتص من ذاته- يخاطب كل الأماكن التي تذكره بماضيه- يحدث نفسه
معلمة 65 رجل مستخف
تعقل فوق العادة 69 منتش برؤاه- مثقل رأسه بالكوابيس- جسده مشلول- طاغية يجرف شباب المرأة- مغتصب لحريتها- صاحب الجسد المسجى
إن هذه الصور على تنوعها وتناقضها، تبين أن الأنثى تشعر بحساسية زائدة اتجاه الذكر... وتحس أنها في حرب ، وصراع معه.
إنها تحس أن الرجل يستعبدها ، ويغتصب حريتها... ويمارس عليها شبقيته.. يغتصبها أنى شاء...يستعبدها بواسطة ورقة/ عقد شرعي، يعطيه الحق في تملكها.. ولذا نجدها في قصة (تعقل فوق العادة)ص: 69، تثور لوضعها.. فتمارس انتقامها، وتفجر غضبها... على السرير.. إذ لا تتوقف عن طعنه إلى أن تناثر ريشه... أمام ذهول الزوج / الرجل (صرخ بشدة وأمرها بالتوقف وقد صارت الغرفة بالريش دخانا، كأن حدث هيروشيما تكرر.
زجرها وقال: يا مجنونة !!...
كلمة ارتعدت لها فرائصها وأحيت مكامن العقل كله. توجهت بطعنها إليه قائلة:
- لا منقذ لك اليوم مني، كلكم شركاء)...
وكم كانت فرحتها كبيرة.. عندما رمى الطلاق بالثلاث في وجهها لتصرفها المخيف هذا... فقابلته بزغرودة قوية، وفرحة عارمةSadحاول تهدئتها دون جدوى، توسل إليها وأقسم أن يطلقها إن لم تتوقف.
وحيث أنها لم تستجب قال:
- أنت طالق بالثلاث.. وقع السكين من يدها. زغردت بقوة والفرحة تغمرها، ركضت كما الحصان الجامح المحبوس طويلا)..
لم فرحت هذه المرأة عندما أعلن الزوج تطليقها؟....
لأنها أحست أنها أصبحت حرة...وبهذا الطلاق نالت حريتها...لقد وضعت حدا لاستبعاده.. واستغلاله لها... وأنانيته الزائدة.. وهي صورة نجدها في مجتمعاتنا العربية.
هذا يجرنا إلى طرح السؤال: هل أتت الأديبة نجاة أحمد بوتقبوت في قصتها؟...
للأسف ، نقول بأن القاصة بوتقبوت لم تأت بجديد يذكر...لأن ما طرحته من موضوعات ولو أنها تستمد شرعيتها من المعيش اليومي، وما ترسب في النفس من ترسبات وذكريات...وتتخذ من السرد والحكاية مواقف وآراء.... نستشف منها موقفها من بعض قضايا المرأة العربية عامة.. فهي غير جديدة، لأننا نجدها سمة تطبع جل الكتابات النسائية تقريبا.
صحيح، أنها تكتب عن وضع قائم.. وعن قضايا تتعلق بالمرأة / الأنثى عامة.. وبالتالي تصبح كتابتها نوعا من الإسقاط.. ونوعا من المكاشفة...
فهل الكتابة عند الأنثى نوع من التحرر من رواسب الماضي.. ونظرة الماضي.. ومكبوتات الماضي؟...
فمن خلال الصور الذكورية المتضمنة في المجموعة القصصية ، نجد أن الكاتبة تنطلق في كتابتها من الذات إلى الخارج... إنها تشعر بقضيتها ، بأنها أنثى.. وعليها أن تبرهن للآخر أنها أنثى ولكن مغايرة لتمثلات الرجل... وصوره التي رسخها في ذهنه،وعقيته...
لذا كانت دائما تتمثل اعتبارات خناثة بنونة"أن المرأة زائدة عن الحاجة، وفضلة يجب استئصالها أو تهميشها لأنها تزيد وضعية المرأة تأزما" ...
إن الأديبة نجاة أحمد بوتقبوت، تعرف أن كتابتها موجهة إلى الرجل، وهي كتابة لا تنطوي على حوار... وبالتالي يصبح الرجل في هذه الكتابة مساويا للصراع على جميع المستويات، بما أنه يقابل المجتمع الذكوري كله.... والذي يهمش الأنثى، ولا ينظر إليها إلا كجسد للمتعة واللذة...وأنها شيء ثانوي... مكمل لحاجات الرجل ن ومشبع لغرائزه...
إن الأنثى من خلال هذه الصور، ترفض التملك، "فما دام الرجل يملك المرأة والمجتمع يثمن ملكيته تلك. فعلى المرأة أن تعكس هذا النظام، أو تقوم بتبديل الأدوار داخله، وهذا يعني تحويل المجتمع الرجالي إلى مجتمع نسائي" ....




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة في المجموعة القصصية لنجاة بوتقبوت(تجليات انثى)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءة نقدية في المجموعة القصصية القاغيش للقاص المغربي محمد البلبال بوغنيم
» قراءة في المجموعة القصصية "بيت لاتفتح نوافذه ..." للقاص المغربي هشام بن الشاوي
» قراءة في التجربة القصصية لأحمد بوزفور .. محمد رمصيص
» أنثى الليالي الخضر
» نصوص انثى الصخر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات نقدية :: مدار النقد-
انتقل الى: