مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المحاكمة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نورالدين بوصباع
عضو



عدد المساهمات : 19
تاريخ التسجيل : 19/09/2009

المحاكمة Empty
مُساهمةموضوع: المحاكمة   المحاكمة Empty4/1/2010, 13:26


الـمحاكمة




وقف المدعي العام وعيناه متسمرتان على المتهم يتلو لائحة الاتهامات بصوته الجهور ويلوح بإصبعه بعصبية مفرطة اتهامات لا أساس لها من الصحة ، تتنكر لها الأرض والسماء، سار يستعرضها الواحدة بعد الأخرى والمتهم في حيرة من أمره لا يكاد يصدق ما يسمع، واجم في قفص الاتهام يختلس النظرات إلى قاضي المحكمة تارة، وإلى المدعي العام تارة أخرى وهو واقف وبيده ورقة يقرأها " سيدي القاضي زيادة على ما تفضلت بذكره لكم من قبل فإن المجرم الماثل أمامكم لم يتورع أو يتوب عن أعماله الإجرامية فقد قام بتحريض مجموعة من المعطلين لتنفيذ اعتصام أمام البلدية للمطالبة بالشغل وهذا ما أدى إلى تعطيل الإدارة والتشويش على الموظفين كما قام بنشر مقالات نارية تطالب بإصلاح الإدارة والضرب بيد من حديد على يد كل من ينهب المال العام وتقديمه على العدالة، ولكن الأخطر من هذا هو الاعتداء الشنيع الذي مارسه ضد لمقدم حمادي أمام الملأ وفي واضحة النهار ولهذا نطلب من محكمتكم الموقرة إنزال أقصى العقوبات ضد المتهم إحقاقا للحق وانتصارا للعدالة" ...

وقف المتهم أمام القاضي وفي عينيه تلتمع نظرات التحدي، ثم تكلم بهدوء ورزانة على مسألة حبسه التي لم يكن لها أي سبب وجيه حسب رأيه مشيرا على أن ما تفضل به المدعي العام من اتهامات كلها اتهامات ملفقة، اعتدل في وقفته وسار يرد عليها الواحدة تلوى الأخرى بطريقة بارعة أربكت حسابات المحكمة ومما استند عليه في دفاعه حديثه عن معنى المجرم من الناحية القانونية، هل هو من يدافع عن حقوقه المهضومة ليستردها أم من يقوم بنهب المال العام وتبييضه ! ويستغل القانون لصالحه دون حسيب أو رقيب، فالقانون يحمي من في هذه الحالة ! تساءل في رباطة جأش.الأمر الذي دفع بالمدعي العام إلى مقاطعته ودعوته إلى الدخول في صلب القضية التي تنظر فيها المحكمة. كان تدخل المدعي العام القطرة التي أفاضت الكأس، وفتحت شهيته للحديث صراحة ودون لف أو دوران عن المستضعفين حين يرمى بهم في غياهب السجون لأتفه الأسباب بينما المجرمون الحقيقيون طلقاء يرفلون في بحبوحة العيش ،يصولون ويجولون وكأنهم لم يرتكبوا شيئا قط.الفقير عندما يسرق دجاجة ليسد بها جوعة أطفاله يطبق عليه القانون بكل حذافيره ولكن عندما يختلس أحدهم ميزانية تقام له محكمة خاصة ، ويظل حرا طليقا دون أن تمس ولو شعرة من رأسه ، ثم انتفض محتجا والكلمات تحتبس في حلقه المبحوح يستنكر حانقا بمجريات محاكمته والتي يصفها بالظالمة:

-" ولكن سيدي القاضي لأني مخلوق لا حول له ولا قوة فقد ألبسوني من التهم ما ضاق بها جسدي النحيف، فكادت أن تختنق أنفاسي في دو اخلي ولهذا السبب سيدي القاضي باعتباركم الحارس الأمين والنزيه للعدالة أرجو أن تمنحوني الوقت الكافي لأستعرض أمامكم سيدي سبب اعتقالي ولأضع أمام ناظريكم تفاصيل لم يتضمنها المحضر الذي هيئته الشرطة القضائية على عجل ذلك أني وبصحبة باقي الرفاق ونحن نخوض إضرابا إنذاريا عن الطعام للمطالبة بتحقيق مطالبنا المشروعة ،إذ أننا بعد أن قمنا بسلسلة من الاعتصامات، وأصدرنا عدة نداءات وطرقنا جميع الأبواب فإننا كنا دائما بالتجاهل وصم الأذان وفي صبيحة يوم اعتقالي ومن معي من الرفاق تفاجئنا بإنزال قوي لقوات التدخل السريع ودون أن يتركوا لنا أية فرصة للحوار انهالوا علينا بالهراوات الغليظة، وشنفوا مسامعنا بأقبح النعوت وهذا ما حز في قلبي كثيرا وولد في أعماقي كل أشكال التمرد..نعم إني أعتز بما أفعل سيدي القاضي.لست إنسانا فوضويا كما جاء في محضر الشرطة، ثم متى كانت المطالبة بالحقوق فوضى.." ....

كيف تستأنس بفراغك وبياض أيامك أيها الإنسان المفتون بالحرية والمتنسك في حراب الثورة!كيف تستحلي لون تعاستك وحيثما نظرت استوقفك سواد الهامش، وعتمة القدر وسعال الناس المخنوقين بدخان السجائر المهربة، ورائحة العطور الباريسية الفائحة من ملابس الفتيات الهائمات على وجوههن بحثا عن فارس أحلام رغم أشكالهن المثيرة والمغرية حد الجنون.صور غائمة تسترجعها في زنزانتك وحيدا فتشعل في دواخلك ذكريات مبكية مضحكة...خيوط الشمس الذهبية وهي تنسل من النافذة تحمل إليك نسائم الحرية المسلوبة..هل حقا السجن هو المكان الطبيعي الذي تهفو إليه نفسك كلما ضاقت أمام عيناك مساحة الضوء وزلزلت أعماقك متاهات الطفولة البئيسة و توزعتك خرائط المنفى.لا أحد يستطيع أن يطمس الحقيقة من أمام عيناك، أو يلجم لسانك كي لا تبوح بما يضطرم داخل صدرك، فلا أشد ما يغريك احتفال السجان بعذابك على إيقاع الصراخ السمفوني المنبعث من أعماقك وأنت من فرط نشوتك أيها الشهم تصيح مرفوع الرأس، متقد الهمة وكأنك تردد نشيدا ملحميا " لن أحنث بقسمي وبأرواح رفاقي..يدًا في يد سنمشي سويا حتى أخر المشوار..لن نستسلم.لن نتراجع ..لن نساوم " هل من شكل أنيق يؤثث رقعة الفراغ ويحفر في أعماقنا حب الفداء ويلفظ زمن الردة الجاثم فوق صدرونا غير أن تقف هذا الموقف البطولي وأنت تعرف ماذا ينتظرك! الكل يعرف أن فمك واسع وعريض.كلامك أمض من السيف.تتحدث بطلاقة عن الفساد المستشري في دهاليز الإدارة، وعن منتوج الجوع والتخلف كماركة مسجلة ناجحة بامتياز بين الناس، وعن تهرب المسؤولين من أداء الضرائب وعن بيروقراطية الإدارة..بالله عليك من أين اكتسبت كل هذه الثقة في النفس، وهذه الجرأة للبوح بالحقيقة ! ...

صامد أنت يا أخي في قفص الاتهام ويختزلك المكان.منفي في أرض الله وتطاردك لعنة الوقت.المتظاهرون يهتفون باسمك فيصلك ضجيجهم من بعيد لذيذا، تخالجك رعشة باردة ينتفض لها جسدك الغض فتزداد إصرارا على التحدي..تضحياتك لن تذهب هباء..نضالك من أجل الشعب عنوان فخرك اليوم فالشعب إلى جانبك يساندك..يؤازرك حتى أخر المطاف..الزغاريد تكتنف المكان..الشعارات الحماسية..وأنت تستمع إلى الحكم النهائي ترتسم على وجهك ابتسامة عريضة بينما يغيب صوت المتظاهرين عن مسامعك..




نورالدين بوصباع - تيفلت / المغرب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المحاكمة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات سردية :: مدار القصة-
انتقل الى: