مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 سيدة الصخرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حميد الحلاق
عضو



عدد المساهمات : 30
تاريخ التسجيل : 23/05/2009
العمر : 45

سيدة الصخرة Empty
مُساهمةموضوع: سيدة الصخرة   سيدة الصخرة Empty18/12/2009, 19:57

فوق الصخرة,وقفت أمامه تسد الطريق. ثيابها العتيقة وبقع درن داكنة تغطي بشرتها القمحية, لم يخفيا تفاصيل جمال بلدي خانته العقود الأربعة,المحفورة كالأخاديد على وجهها. أدخل يده في جيبه متلمسا دريهمات,غير أن يديها إستوقفته وشفتها تفتر عن إبتسامة بلهاء, وعيناها الزرقاوان تشعان بفضول غريب, متسائلة عن إسمه! تردد وهو يحاول بلطف أن يسحب ذراعه من يدها مجيبا:
-أنا أحمد, وأنت؟
-عايشة البحرية!
لم يكثم مرافقه ضحكة مجلجلة خالطت هدير موجة ارتطمت بالصخرة, فرمقه بعينيه مستنكرا فجاجته. أخرج يده من جيبه بالدريهمات, وابتسم في وجهها متوددا وهو يمدها اياها:
-ألا تحتاجين بعض النقود؟
لمعت عيناها بشقاوة الصبا, وهي تخفض رأسها حياءا كاثمة بيدها ضحكة متقطعة, وبصوت متهدل تمتمت:
- تزوج بيا!؟
صدرت من مرافقه قهقهة عالية أكثر صخبا من الأولى,أتبعها بلكزه على كتفه ساخرا:
-شايلآه آسيدي عبد الرحمن!
لم تكف عن الإبتسام وارسال غمزات له بين فينة وأخرى, كانت تتكأ على مرفقها مستلقية على جانبها فوق الصخرة,حذاة سورالقبة الذي اعتلاه ورفيقه يحتسيان النبيذ. تتخلل أصابع يدها شعرها الذهبي المتموج, مرسلة خصلاته في الهواء لينسدل على كتفيها, بما يشبه طقوس اغواء أنثوي ساذج, يمارس الإشتهاء.
تسائل طويلا,كيف هي حياتها؟ أي ظروف قاسية عاشتها في البر المتوحش, جعلتها تختار أن تتحول لحورية بحر تغوي رجالا سمرا؟ أمحض صدفة عيناها بريئتان؟ وابتسامتها المترهلة على حواف شفة تعتصر ما يوصف بالألم! أجنوح لفطرة اعتادتها؟ أم حصيلة لتجربة مروعة خاضتهاعلى كبر؟ وصوتها الكسير الذي تكاد تسمعه صفير ناي حزين.أضمومة قلب دقه الحرمان؟ أم نحيب يتخلله الكلام؟ -تساءل في ذهنه-
لا شك هي حورية بحر, تأسر قلوب الرجال الموتى! الباحثون عن أرواحهم الكسيرة في دروب التآسي! المزاجيون الحمقى والصعاليك, ومعاقرو كاسات نسيان في هذا المكان الموبوء بالجن والسحرة, ومن يعشق الجسد مؤنثا غائبا, مخضبا بألوان شقاء صاغته يد قدر آثم, فكأنها اللعوب الغاوية,وهم من لا حيل لهم أمام شهوة جسد عابرة.
دارت الخمرة برأس مرافقه الذي التفت نحوه متسائلا بخبث:
-هيه أين سرحت؟
-أغوتني عايشة البحرية,كنت أفكر في قسوة الأيام!
ضحك استهزاءا وهو يحرك رأسه:
-مجنون والله العظيم مجنون! ثم تابع كلامه وقدمه تتلمس لها موقعا على الأرض محاولا استلاب الفضول الكامن في حيرة صديقه:
- سأدخل للخلوة عند الشريفة, نضرب لدون!
إلتفت إليه غير مصدقا نيته,و انفجر بعدها ضحكا لأول مرة حتى دمعت عيناه...
-أتمزح؟
-وماذا في ذالك؟ أتمنى أن يبطل العْكَسْ الذي يتأبطني...
عند الزاوية, في صحن مكان تعافه الشمس, تربعت العجوز
السوداء متلحفة بدثار مائع الزرقة, منتصبة على رأسها شابة جميلة منفرجة الساقين, وأبخرة (المجمر) تتلوى متسللة من تحت ثوبها الأبيض الشفاف, زاحفة حول ساقيها وفخذيها العاريين.
تمتمت الشمطاء بكلمات وهي تومئ بأصبعها لدوائر ونثوءات شابت المعدن المنصهر, والفتاة تجيبها بانحناءة من رأسها موافقة:
-نعام ألالة كاين كاين...
عائدا يهادن خطواته,لم يكف عن التهكم سخرية كلما لاح له فرُُّوجْ حْمَرْ أوملابس داخلية يتقاذفها الماء بين الحفر الصخرية, ومرافقه يشرح له ببلاهة صنوف الإنتعاش التي أحس بها؛ حين فرغت الكاهنة السوداء من طقوسها, والذي ختمته باهراق سطل ماء(الخلوة) على رأسه وكل جسده...
-الله على راحة! هكذا أرسل تنهيدة عميقة, معبرا عن تخلصه من العْكَسْ الذي جثم على صدره بعد شرب كأسين من الروج!
كانت الشمس قد أرخت بحمرتها على مياه الشاطئ التي غمرت سفح القبة القابعة فوق الجزيرة الصغيرة, خلع ملابسه بتثاقل ولفها في كيس أحكم إغلاقه قبل أن يغوص في الماء, ويذرعه سباحة نحو الشاطئ.إنتعش جسده, كمن تذكر شيئا مهما بالغ في الإلتفات صوب الصخرة المثلثة,حيث كانت عايشة البحرية ما تزال واقفة تراقبه...صرخ بأعلى صوته كالأبله ملوحا لها بيده, مرسلا لها قبلة في الهواء,مودعا تلك الصخرة التي تغوي أقداما واهمة,وأمواجا متلاطمة لا يعرف أحد متى ستتوقف عن خبطها!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سيدة الصخرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سيدة الألوان
» سيدة الفجر والالوان
» هبوط سيدة الأنوثة إلى العالم السفلي
» مهرجان"الصخرة"للشعر، آزرو

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات سردية :: مدار القصة-
انتقل الى: