ضمائر الطوفان
هو:
كانت هي ، كانت هي ، مِن جمرٍكانت ، مِنْ ماءٍ كانت،
هم : هي صوتٌ لسنا نُدركه
هو : كم ندرِكُه
هم : هي ، ما ينثر نايٌ في العزلةِ من دغدغة الحلمِ و حشرجة التيه
- و كم تاهت_.
( تخرج " هي" من تحت الأقمشة البيضاء ، و كم كان لهاث الصّوت صراخا حين رأته)
هي :
- يا حلمي هاتِ يدكْ
اصعد معنا في الفلكِ نُواري سوآت الطينِ، نُحلّق في العريِ بأجنحة الماء ، اصعد ، واتلُ لنا ما يصهره الزّمن الآفل من صرخات في كبد الأرض ..ولا تحزن إن عذّبك الحلمُ
أيا أبتِ مُدَّ يدكْ
هو: ( ينظر ليديه ، يده اليسرى تتحرّك كالمجداف و لا تحفل بالفلك )
- لا سوأة لي غير الخلجاتِ بقلبي تتوغّل في الجمر المنثورِ على أوجُههِمْ
(همهمت الأصواتُ جميعا و هوى الهمُّ عليهم )
- هِـــــمْ هِـــــمْ من هُـــــمْ ؟
هو:
- سأهيمُ بهم ،سأهيم لهم ،….
هُم أصواتُ مدائننا ،
هُم أفواه حرائقنا ،
هُم من نبكي إن ذرفوا أدمُعنا،
هُم من نسألُ إن رحلوا فينا ،
و من نلعقُ أطيافهُم إن سكنوا عنّا…
هي :
- يا أبت هات يدك المبتورة واغرسها في الحلم فتنمو فيك أيادينا
يدُك الأغصان ومجدافُ بسفينتنا
جدّفْ…جدّفْ
وانبُشْ بأظافرك الموجَ ، لََــبـِـثْــْتَ به اعصارا مسجونا…
جدّفْ…جدّفْ
في الجهة الأخرى ، يزحف كفّي نحو يديك ، تجدّف أعيننا …و سفينتنا عرجاء يقلّبها الموج و يلفظها زبدا فردّ إليها خفقان جناحيها ، هات يدكْ
هو:
-ليست تعنيني خفقة فٌـلْـكٍ ان كانت أعيننا بلا أجنحةٍ
هي:
- عيناكَ مجاهيل النّار
و جمرٌ في أعماقه أصوات الطير
سأقطف اذن من عينيك هديل اللّحظة
واقصص لي أغنية تبصر وجهك حين أنام
و انّي مرسلة عسسي من ليل وسكونٍ
لترتجّ النبضات بصوتكَ
حين تراني الأجنحةُ
و تخفق الأحداق
و كم تراني يا أبت أتلظى في هذا الموج
و في هذا الليل المطلق
في رجفة هذا العري…فمدَّ يدكْ
( نسمع صدى صوت بعيد آت من جرحٍ في ذاكرة الماء. )
- ما أيبس جلدكِ أيّتها الأرضُ و هذا الماء هدوء الموتى فليكن
الفلكُ جرّاف دمٍ ، حمّال صراخ الطّين…
هم : قد حرث الفلك اكفّ الأرض ففاض الدّم و كان الطّوفان
هي : الطوفان…بأرضي …الطّوفان بصوتي….الطوفان بوجهي ، صار الطّوفان دمي …
هو ثمرة الماء المقدّس في كتاب الموت ..
كم رجلا بكيتَ لتنبتَ الأشجارُ من عينيكَ
كم سكبتْ سماؤكَ من خطايا
كي يصير الكون اثما طافحا بدمي
و كم …
ناديتَ وجهكَ كي تراني في السّرابِ اسمَكْ
و هل ضمئت يداك ، تلاحقان الموج زحفا،
كم تُجيد الزّحفَ – سهوا- مقلتاك
و كم…
هم : هو جرعة الماء المقدّس في كتاب الموت لكن ،
كم قرأنا الجدبَ في صَفَحات و جهكَ
كم غرسنا الحلق كأسا في حدائق وجنتيكَ
فهل شربنا الملح من عينيك …هل ؟
هو ( باكيا):
عيناي يا نون النوافذ في عماء سؤالهم ..
شرِبوا وميض الضّوءِ من نجمات ليلي …..
ثُمّ قالوا : ما رأينا غير ملحٍ في سباخ التّيهِ ،
هل جفّتْ رُؤاكَ
وهلْ علقنا بالرّموش تيبّست بالموتِ وانكسرت على كفّيكَ
كما حطبٌ على ثلجٍ فما دفئت يداك و ما ارتوينا ،
صرتُ أعمى كي أراكم في دمي . .
و صنعتُ سفْنا من عظامي كي تطوفوا في عمايْ ،
و صار جلدي طائرا مثل الشّراع ،
و هل يدي مجدافكم …كم خانني هذا الذّراع ؟
وكم…كم
هي : جدّف جدّف و انبش بأظافرك الموج ، لبثت به اعصارا……
: عيناي يا لغة العواصف في هدوء الليل ، كم حرفا ذرفت لترسمي الطوفان في سطر عقيمْ ؟
عيناي يا صوت الأوائل في سباتي
يا أناشيد الحقيقة في استعارات اللّغات
و يا مواويل الإله بأرض سومر
أيقظي صوتي فصوتي اليوم مشتاق لرؤيته
ليرسم رغبتي قلقا على شفة السّبات
أقاتلٌ صوتي على شفتيك
حين أقول – همسا – للأنين العذب : كن لغتي ؟
و هل كَتَبت شفاهكَ ما تلظى من قصائد في رضابي ؟
- كنتِ عاصفة بموجي، هكذا قال الضّمير و نام ،
لم يدركْ بأنّ عواصفي لغتي ،
أدوّنها قصائد حين تهدأ موجة الأجساد / تنام
جدّف في شقوق الصّوت
جدّف في عيون العاشقينَ، يداك مجدافي ، و صرت أرى يدي ترنو يدكْ
(هو) ضاحكا من امتزاج يديهما
بيني و بين يدي مسافة طائر
أهدى جناحيه لطفلٍ حالمٍ بالأفقِ ثمَّ غفا..
رأى في الحلم ريشا يحمل الأكوان فاكهة إلى عينيْ كسيحٍ
كم رأى حين اكتوى بالجرحِ
طفلا يرشق العينين بالريش الأليف.
ناديت وجهكِ " ضُمَّ جرحي ، ضمّ يُتـمي "
لا أبٌ صعد الجبال معي
و غلّق باب طوفان عظيمٍ
جدّفي بعويلنا
لا أم ّناحت حذو قبري ، فار قلبي بالجبال و مابكتْ
صعد الفؤاد إلى الجحيم و مابكتْ
( لا قبرَ لكْ لِأنوحَ لكْ
في الموتِ يا ولدي معكْ)
هي: سوف يحبل قاع هذي الأرض بالدّم، يا دمي لا تقرب الجبل الحزين، و كن على كتفيّ طفلا نبتت على يده الحمائم ثمّ نام بلا جناح حذو من زرع الأكفّ بريشه، يا عين أمّك كن على كتفيّ، كن…
(تنظر للمركب قائلة)
و رأيت وجهي هائما في الموج يهجر مركبك
قد كنت لك
و رأيت صوتي في نحيب الطير يلهث سائلا عن موطنك
قد كنت لك
إنّي البغيّ، فلا تسل جسدي خطيئته
و لا تسل المكان قداستي
و اشرب مياه القلب مزهوّا فما مارست غير صلاة أنثى
في مراكب لم تكن تتلو سوى آياتنا في معبدك
قد كنت لك إنّي البغيّ و زوجة اللغة العصيّة
كم أراودها … و يركع
ليلنا و نجومه للشّهوة الأنثى الحرام
إنّي البغيّ و زوجة الماء المقدّس فرّ من رحمي:
" لدي ولدا بلا أجداد من ماء و نار
قد مات من نبش العظام و نام في أحضانها - سهوا –
و لا تسل بواطن أرضنا عن مائها و مواتها، قد نام في أحشائها الغربان… قد
(هم من باخرة الغيم أطلّوا) :
- أنت الطّاهرة القدّيسة، لم يمسسك المطر الفحل و فاضت من أرضك أنهار الرّغبة صارخة :" الغابات، الأنهار، الأطيار و ما أنجب لحمي.."
- أنت العاقر، كم حدّثني أبناؤك عن صرخات مخاضك
" هبني يا رحمي أطفالا بعذوبة لحظات الخلق
عجّل عجّل بالحمّى إنّي ألمح في أحشائي البرق
إنّي ألمح أطيافا بارقة، تتناثر من لوح أساطير الشرق "
كثر أبناؤك، أنت الطّاهرة القدّيسة، أمّ الأرض و ابنتها،
"حين حلمت بأنّي جامعت الأفق،
رأيت كواكب يلمع فيها شبقي و رأيت نجوما لا ضوء لها تسقط في الحلم فأنجبت الأرض الآثمة، لكن،
كم قلت لنفسي الهائمة: أنت الطّاهرة القدّيسة، لم يمسسك المطر الفحل و لم…
هل مات طفلي في مكان لا يطلّ على نواحي
أي حبيب فجيعتي،
عيني على شرخ لباب الموت أشحذ طيفك المسجون أين خطيئتي؟
إنّي الأمومة، يا نقوش الباب، تلك نقوشه،
هذا صراخي ذا،
قلبي بأشرعتي المنيّة عالق
عبثا أشيّع نعش طفل لا نسيج له لأرتق جثّته
بأظافري العمياء، أحفر في الشّقوق اسمك
و أردمها بما حملت بطوني من تراب الأوّلين
فلا تخف
ذا وجه أمّك يحرس الأسماء أعزل من أنوثته
و من…
كم لاطمته الرّيح ثمّ رمت به للموج يصفع عريه
فليبكك الباب المشيئة، لا تخف
و لتبكك الريح الخطيئة، لا تخف
و ليبكك الموج الدّوار، فلا تخف
سأنوح لك…
كل ّالقبور شواهدك
في الموت يا ولدي معك
- أمّاه لا تقفي بباب القبر، لا تتوسّدي الأرض الخراب
الأرض تبلع ماءها، و تضيق بي
و الدّود يلعن جثّتي و يضيق بي :
" لا تقضم الجسد الحرام "
تلك السّماء مدينتي، تلك السّماء
يا طير خبّئ سوأتي،
و ارأف بما حملت يداي و سمّني جبلا،
و لا تنظر إلى القيعان تنهشك الذّنوب…
أماه لا تقفي بباب القبر، لا لاتبكني…
يرجمك التّراب و يلفظ الدّمع الحرام
إنّي الحرام، و ليد ماء لست أعرف غيمه…
كلّ الغيوم أبي
فلأيّ غيم أشتكي؟
فلتمطري يا كلّ غيمات السمّاء،
لأعرف الطّين الذي
… سكب الحرام على دمي
يغرورق القلب الحزين
و لا مياه بأعين الموتى
لتندلق الخطيئة في أخاديد السّديم و أستريح
الرئيسية 
