فتحية الهاشمي و مثيلاتها
خطوة أخرى جريئة على درب الإبداع
بقلم الشاعر الصحفي عبدالله مالك القاسمي
عن صحيفة الأخبار التونسية العدد 1279
من 30 أكتوبر إلى 5 نوفمبر2008
في احدى جلسات منتدى القصّاصين التّابع لاتّحاد الكتّاب التّونسيين التي خصّصت لمحاورة الشّاعرة و الرّوائيّة فتحيّة الهاشمي حول تجربتها الشّعريّة و السّرديّة أثيرت عدة نقاط أو مسائل تهمّ الكتابة الابداعيّة و طقوسها خاصّة لدى المرأة باعتبار أنّ فتحيّة قد استفزّت الحاضرين برفعها للتّجدّي القائم حول عدم امكانيّة التفرّغ للكتابة أو على الأقلّ تخصيص حيّز زمنيّ يوميّ للكتابة و القراءة فقد صرّحت في بداية كلمتهاالافتتاحيّة أنّها تكتب يوميّا وباستمرار دون انقطاع مهما كانت الظروف و الملابسات وضغوط الحياة اليوميّة بالرّغم من أنّها زوجة و أمّ و موظفة .
واذ كانت الكتابة همّا يوميّا متواصلا لدى كبار الكتّاب في العالم كما جاء في حواراتهم أو مذكّراتهم كأن يخصّص أغلبهم الصباحات مثلا أو المساءات أو اللّيل للكتابة دون غيرها من مشاغله الحياتية الأخرى فإننا في العالم العربيّ نشكة دائما من عدم ليجاد الوقت الكافي للكتابة نظرا لضغط ايقاعات الحياة اليوميّة و لمشاغل الوظيفة و الأسرة إلخ ...
إضافة للصّعوبات الخاصة التي تلاقيها المرأة المبدعة كأم و زوجة
تهتم بشؤون عائلتها أليست فتحية الهاشمي قابلة للاستنساخ أم هي حالة
عديمة المثال ؟إنها تعطينا المثل على العزيمة والثبات والاصرار رغم كلّ الظروف الحياتية القاسية المضادة للكتابة الابداعيّة و المحبطة لها. إلآ أنها
مازالت تواصل الكتابة يوميا وتشهد على ذلك غزارة انتاجها الشعري والسردي، فعلاوة على ما أصدرته من مجموعة شعريتين و روايتين
تحصلت احداهما على جائزة لجنة التحكيم للكومار الذهبي لسنة 2007
فانّها تتهيّأ لاصدار مجموعة قصصيّة " مياه الوعد" ومجموعة شعريّة
" القول قولي" بنسختها العربية والفرنسية اضافة الى رواية أخرى جديدة
بعنوان " مريم" تقول إنها ستحدث صدمة كبيرة للقارئ العربي التقليدي باعتبارها رواية تروي أحداث امرأة في المبغى " من أولها إلى آخرها"
و لعلّ هذه الرواية التي ستصدر في ديسمبر المقبل لا يمكن أن يمر
موضوعها الجريء في ذهني دون أن يلفت انتباهي إلى ظاهرة أصبحت
قائمة في تونس من خلال اصدارات عديدة نشرت هذه السنة بالذات لكاتبات تونسيات تجرّأن على العادات و التقاليد و المسلمات و حتى
"المحرمات" فلنتذكّر فقط ثلاث حالات مازالت تثير جدلا كبيرا في الأوساط الأدبية والفكريّة و الدينية و الاعلاميّة منها أولا كتاب ناجية الوريمي حول حداثة ابن خلدون بين الوهم و الحقيقة إذ أنها أطاحت بكل أفكار ابن خلدون الحداثية و أرجعتها الى أصولها السّنّية السلفية .
ثانيها كتاب ألفة يوسف " حيرة مسلمة" التي تساءلت فيها انطلاقا من القرآن و السنّة حول بعض المسائل التي تعتبر شبه محرمة كتعدد الزوجات و الارث ةاللواط و السحاق و غيرها من المسائل الأخلاقية
حسب وجهة نظرها. ثالثا وليس أخيرا مسلسل " صيد الرّيم" الذي بثته التلفزة في رمضان الفائت حول التّحرّش الجنسيّ و ما أثاره من جدل واسع و عريض في مختلف وسائل الاعلام و في أحاديث الناس ، وهذا المسلسل أيضا كتبته امرأة أيضا وهي رفيقة الجدي .
و إذن هل هي الصدفة وحدها التي جمعت أربع نساء تونسيات مبدعات " فتحية الهاشمي ، ناجية الوريمي، ألفة يوسف ، و رفيقة الجدي"
و في نفس السنة 2008 لطرح مواضيع حساسة و مثيرة للجدل لم يقدر على إثارتها المبدعون الرجال إلآ قليلا خاصة في السينما مع نوري بوزيد وفريد بوغدير.
كيف يمكن أن نصدّق هذا و المعروف عن المرأة مهما كانت مبدعة أو مجنونة محافظتها على التّقاليد و العادات والأخلاق العامّة المتعارف عليها؟ أليست هي أكثر الفئات خضوعا واستكانة وانصياعا لأوامر مجتمعنا الذكوري الذي لا يسمح بصوت المرأة أن يعلو على صوته أم انّها المرأة المبدعة التي أرادت أن تثأر لنفسها وتاريخها و جنسها و أن تحطّم الممنوعات و المحرّمات و التّابوهات و كلّ القيود المكبّلة لحرّيتها وحرّيّة
الانسان و أن تضرب عرض الحائط أوهام الرجل الشرقيّ الذكوريّ و مغالطاته التّاريخيّة و الدّينيّة والأخلاقيّة ؟؟؟